لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 624 بتاريخ الخميس نوفمبر 07, 2024 4:07 pm
// Visit our site at http://java.bdr130.net/ for more code
12>المجال الإجتماعي/جحافل ألباب القمة/ الموضوع الأول/قصــ ☆•:*´¨`*:•. وعــبرة .•:*´¨`*:•.☆ــــة
Oued Taga - وادي الطاقة :: منتدى التعليم الثانوي :: منتدى السنة الثانية ثانوي 2AS :: المواد العلمية و التقنية
المجال الإجتماعي/جحافل ألباب القمة/ الموضوع الأول/قصــ ☆•:*´¨`*:•. وعــبرة .•:*´¨`*:•.☆ــــة
إجتاحتني فكرة وأنا أقرأ كتاب النظرات للكاتب مصطفى لطفي المنفلوطي
فيه قصص واقعية رائعة تحمل في جعبتها عبر نحتاجها في حياتنا
كي لا نقع في نفس الأخطاء التي وقع فيها أسلافنا
إخترت لكم من الكتاب هذه القصة بعنوان
الشهيدتان
تفضلوا بالقراءة
لم تغمض عيناي ليلة أمس، لأنني بت أسمع في الدار اللاصقة لبيتي أنين امرأة متوجعة تعالج هماً ثقيلاً، وتشكو مرضاً أليماً، وكان يخيل إلىَّ أنى لا أسمع بجانبها معللاً يعللها ولا جليساً يتوجع ها، فلما أصبح الصبح ذهبت إليها، فإذا قاعة صغيرة مظلمة تكاد لا تشتمل على أكثر من سرير بال يتراءى فوقه شبح ماثل من أشباح الموتى، فترفقت في مشيتي حتى دونت منها، وكأنها شعرت بمكاني، فحركت شفتيها تطب جرعة ماء، فأسعفته بها فاستفاقت قليلاً، ثم تقدمت نحوها أسائلها عن خطبها، فأنشأت تقص على قصتها بصوت خافت متقطع كنت أكاد أنتزعه منها انتزاعاً وتقول:
"زوجني أبى منذ سبع سنين من رجل مزواج مطلاق لا يكاد يصبر على امرأة واحدة عاماً واحداً، ولو كان لفتاة أن تستبد بأمرها من دون أوليائها ـ لأحسنت الاختيار لنفسي، بل لو لم يكن فى الأمر إلاّ أن أتبتل أو أصير إلى هذا المصير، لكان لي في الرهبانية رأى غير ما يراه فيها النساء، ولكنني عجزت، فأذعنت وزففت إليه فاستقبلني بأحسن ما يستقبل به الزوج الكريم أحظى نسائه عنده وأكملهن عليه، فكان يربني من ذلك ما يريب الفريسة من ابتسامة الأسد، وكنت انتظر يوم الفراق كما ينتظر القاتل يوم القصاص، فما أفقت من صرعة النفاس حتى علمت أنه خطب، فتزوج فبني، وأنا أصبحت في المنزل وحيدة لا مؤنس لي إلاّ طفلتي، فجزعت عند الصدمة الأولى، ثم نزلت على حكم القضاء الذي لا أملك رده، وأعرف وجه الحيلة فيه، واحتملت طفلتي إلى بيت أبى، فوجدته مريضاً مشرفاً، فبكى رحمة بي واستغفرني من ذنبه إلىَّ فغفرته له، وما هي إلاّ أيام قلائل، حتى مضى لسبيله مفجوعاً برزئى ورزئه فعلمت أن الدهر قد سجل في جريدة الشقاء أياماً طوالاً لا أعلم متى يكون انقضاؤها، ولا أدرى ما الله صانع فيها، فظللت استكتب الناس الكتب إلى ذلك الرجل، أسأله القوت فأستعين به على تربية طفلته، أو التسريح عسى أن يبدلني الله خيراً منه زكاة وأقرب رُحْماً، فضن بالأولى، واستعظم الأخرى، فلم أرَ لي سبيلاً غير سبيل العمل، فلبثت بضع سنين ساهرة الليل قائمة النهار أستقطر الرزق من سم الخياط، فلا أكاد أبلغ منه الكفاف حتى بلغ منى الجهد، فدهيت بمعضلة من الأدواء خرجت لها عن كل ما أملك من حيلة وذخيرة وكسوة وآنية، وأصبحت لا أملك درهماً ابتاع به قارورة الدواء، أو أجد مزقة أمسك بها قوائم السرير المضطرب، وما قنع الدهر مني بذلك حتى رماني بالابتلاء الذي يصغر في جانبه كل عظيم من خطوبة ونكباته، فقد كتبتُ إلى ولد الفتاة منذ شهر أصف له حالتي، وأفضى إليه بذات نفسي، وأسأله أن يمدني وابنتي بقليل من القوت نُمسك به تلك الصبابة "البقية القليلة من الماء ونحوه من الطعام والمال" التي أبقتها خطوب الأيام ورزاياها من أعظمنا وجلودنا، ولبثت أترقب رجع الكتاب كما يترقب الغريق سواد السفينة، وقد جلست طفلتي بين يدي أتطلع إلى وجهها الساطع في ظلمات تلك الخطوب كما يتطلع الملاح في ظلماه إلى نجمة القطب، إذ هجم على ذلك الظالم الجبار، فاختطف ابنتي من بين يدي من حيث لا أملك دفعاً لما نابني، ولا أجد ما أذود به عن نفسي إلاّ زفرات لا يسمعها سامع، وعبرات لا يرحمها راحم، فشعرت كأن أسهم الدهر التي تروغ هنا وههنا قد أصابت في هذه المرة المقتل، فبت ليلتي تلك كما يجب أن تبيت امرأة بائسة معدمة فجعها الدهر فى نفسها بعد أن فجعها في زوجها وأبيها وولدها، فأصبحت لا تجد أمامها يداً تنبسط إليها ولا عيناً تبكى عليها، وقد مر بى بعد ذلك نيف وعشرون ليلة لا يتوقف لي دمع، ولا يهدأ بي مضجع، حتى إذا اختلست من يد الظلمة نعسة تراءت لي الفتاة كأنها في فراشها مريضة تهتف باسمي، وكأن أباها يوسعها ضرباً وتعذيباً، وكأنني أحاول أن استنقذها فلا أجد إليها سبيلاً، وها أنا ذا أشعر أن سحابة الموت السوداء تغشى على بصري، وأنني مفارقة هذا العالم قبل أن أنظر إلى فتاتي نظرة أتزودها في سفري إلى تلك الدار " .
وما وصلت من حديثها إلى هذا الحد حتى بلعت ريقها بصعوبة، وحشرجت أنفاسها، وشطر بصرها، فجثوت عند سريرها أدعو لها الله أن يعينها على ويمدها برحمته وإحسانه، فإني لكذلك وقد استغرقت في هذا المشهد الذي بين يدي استغراق العابد في هيكله، إذا رأيت في خلال الدموع التي تزدحم في عيني شبحاً منتصباً عند باب الغرفة، فتأملته فإذا رجل يحمل بين يديه فتاة صغيرة، فتقدمت إليه ، فرأيته خاشعاً مستكيناً ينظر إلى تلك التي يحملها نظرات الوجد والرحمة، ورأيت الفتاة كأنها خرقة بالية ملقاة لا يتحرك لها عضو، ولا ينبض منها عرق، فقلت: " من أنت، وماذا تريد ؟ "
قال: أنا زوج هذه المرأة ووالد هذه الفتاة، قلت " لعلك جئت تستغفر هذه البائسة المسكينة من ذنبك إليها في التفريق بينها وبين ابنتها، قال: يا سيدي ما زالت الفتاة منذ فارقت أمها تبكى عليها بكاءً مرا، وتهتف باسمها، في يقظتها ونومها، حتى سقطت مريضة لا ينفعها طب، ولا ينجح فيها دواء، فلما رأيت أنها وصلت إلى هذه الحالة التي تراها جئت بها إلى أمها أرجو أن تجد بين ذراعيها شفا من دائها، قلت: ذلك موكول إلى القضاء، ولا يعلم الغيب إلاّ الله، ثم تقدمت نحو الفتاة، فرأيتها تجود بنفسها، فاحتملتها برفق حتى وضعتها بين ذراعي أمها، فما هو إلاّ أن هتفت الفتاة بأمها، والأم بفتاتها حتى فاضت نفساهما معاً، كأنما كانتا من الموت على ميعاد.
والآن وقد عدت من دفن الشهيدتين، وجلست لكتابة هذه السطور، أشعر أنى لا أكاد أمسك قلمي من الاضطراب، ولا مدمعي عن الانفجار لا حزناً على تلك البائسة المسكينة وطفلتها، بل حزناً على جميع البائسات من النساء اللواتي يقتلهن الرجل كل يوم صبراً من حيث لا يجد راحماً يأخذ بأيدهن، ولا ثأئراً يثار لهن .
إن إعجبتكم الفكرة فترقبوا المزيد
hana20- عضو دهبي
- عدد المساهمات : 2595
نقاط : 31384
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 22/12/2011
» المجال النفسي ’/درب النجاح /‘ الموضوع رقم ’1‘
» المجال الثقافي/درب النجاح/الموضوع 2
Oued Taga - وادي الطاقة :: منتدى التعليم الثانوي :: منتدى السنة الثانية ثانوي 2AS :: المواد العلمية و التقنية