لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 624 بتاريخ الخميس نوفمبر 07, 2024 4:07 pm
// Visit our site at http://java.bdr130.net/ for more code
12>مقال الاحساس و الادراك
مقال الاحساس و الادراك
يعد الإحساس تلك الظاهرة النفسية الأولية التي تتشابك فيها المؤثرات الخارجية مع الوظائف الحسية عن طريق استقبال هذه المؤثرات و تكيفها مع طبيعة الموقف , أما الإدراك فيعتبر نوعا من البناء الذهني و عملية إنشائية متشابكة يتدخل فيها الحــــاضر بمعطياته الحسية و الماضي بصوره و ذكرياته , و لهذا فقد اختلف الفلاسفة في تفسير عملية الإدراك فمنهم من أرجعه إلى العقل و منهم من أرجعه إلى العالم الخارجي و بنيته , و التساؤل الذي يطرح نفسه: هل الإدراك نشاط ذهني أم أنه استجابة كلية للمدركات الخارجية ؟ أو بعبارة أصح : هل الإدراك مجرد محصلة لنشاط العقل أم هو تصور لنظام الأشياء ؟.
يرى أنصار النظرية الذهنية و على رأسها "ديكارت" , و"باركلي" , و" ألان"./ إن معارفنا الإدراكية لا تنبع من الإحساس بل من العقل . لأن الحواس لا تدرك الحقيقة و لا تحقق معرفة مجردة التي يحتاجها التفكير ، التفكير يقوم على الكليات و هي صور مجردة تدرك بالعقل مثل صورة الإنسان و صورة الحيوان و صورة المعدن... .بينما الحواس لا تدرك إلا الجزئيـات و لا ينبغي أن نثق بالحواس لأنها مصدر غير موثوق و أحسن دليل على ذلك هو الخداع البصري ، ألا نرى البحر ملتصقا بالسماء لما ننظر في الأفق ؟ ألا تبدو العصا المغموسة في الماء منكسرة؟ ألا نرى الجسم يكبر كلما اقترب منا و يصغر كلما ابتعد عنا فالمعرفة الحسية كثيرا ما تكون خاطئة "فديكارت يميز بين الأفكار التي هي حسبه أحوال نفسية موجودة داخل الذات و بين الأشياء التي تعتبر امتدادا لها يقول ديكارت: (العالم ليس ما أفكر فيه بل ما أحياه) , و هذه النظرية في أساسها قائمة على التميز بين الإحساس و الإدراك , فالإحساس مرتبط بالبدن لأن المحسوسات مجرد تعبيرات ذاتية قائمة فينا , أما الإدراك فهو مرتبط بالعقل و حسبه أن إدراك شيء ممتد إنما يكون بواسطة أحكام تضفى على الشيء و صفاته و كيفياته الحسية و منه يكون إدراك المكان عملا عقليا فلا يمكن أن يكون وليد الإحساس , و إنما نتيجة حكم نصدره عند تفسير العقل لمعطيات الحس بالمقارنة بين أبعادها الظاهرية. و في هذا يقول ديكارت: (إنني حين أنظر من النافذة أشاهد رجالا يسيرون في الشارع مع أني في الواقع لا أرى بالعين المجردة سوى قبعات و معاطف متحركة , و لكن على الرغم من ذلك أحكم بأنهم أناس) , و العقليون يميزون بين الإحساس و الإدراك على أساس أن الإحساس هو عملية أولية بسيطة تتعلق بنشاط الحواس ، أما الإدراك فهو عملية ذهنية مركبة تحلل المعطيات و تؤوّل بعضها حتى تعطي لها دلالة أو معنى . و من العوامل الذهنية المدعمة للإدراك الذاكرة حتى قيل " إننا ندرك بذاكرتنا " مثلا عندما ندخل قسما و نرى معادلات في السبورة ندرك أنه درس رياضيات لمعرفتنا السابقة بهذه المادة ،أما الجاهل بهذه المادة يرى ما نرى لكنه لا يدرك ما ندرك. و العقل في نظر العقليين مزود منذ الفطرة بشروط المعرفة و هي عبارة مبادئ قبلية سابقة عن كل تجربة كمبدأ الهوية والتناقض و الثالث المرفوع و السببية و غيرها ، تعمل على تحليل ما يأتينا من العالم الخارجي ، و إدراك حقيقته و هكذا يصل ديكارت إلى نتيجة مفادها: (و إذن فأنا أدرك بمحض ما في ذهني من قوة الحكم ما كنت أحسب بأني أراه بعيني) , و قد أكد "باركلي" (بأن تقدير مسافة الأشياء البعيدة جدا ليس إحساسا بل حكم مستند إلى التجربة) و يقول: (وجود الشيء قائم في إدراكي أنا له). مما جعله يرى بأن الأعمى لا يمكن أن تكون لديه أية فكرة عن المسافة البصرية إذا استعاد بصره فالشمس و النجـــوم و أقرب الأشياء و أبعدها تبدو له جميعا موجودة في عينه بل في فكره , و قد جاءت أعمال الجراح الإنجليزي شيزلندن فيما بعد بحوالي عشرين سنة تثبت صحة رأي باركلي, و إلى نفس هذا الطرح يذهب الفيلسوف الفرنسي "ألان" حيث يرى أننا لا ندرك الأشياء كما تعطيها لنا حواسنا و يقدم مثالا على ذلك المكعب , فإننا لا نرى منه على الأكثر إلا تسعة أضلاع من بين أضلاعه الإثنتي عشر و ثلاث سطوح من بين سطوحه الستة و رغم كل هذا فنحن ندركه مكعبا و معنى هذا أن المكعب معقول و ليس محسوسا.
رغم كل هذه الحجج و الأدلة إلا أن هذه النظرية لم تصمد للنقد ذلك أنه و كما يرى بعض الفلاسفة لم تكن هذه النظرية على صــــواب حين ميزت بين الإحساس و الإدراك و فصلت بين وظيفة كل منهما في المعرفة فإن كان الإحساس هو الجسر الذي يعبره العقل أثناء الإدراك فإن ذلك يعني بالضرورة أن للإحساس وظيفة يؤديـــها في عملية الإدراك، و بدونه يصبح الإدراك فعلا ذهنيا مستحيلا، بالإضافة إلى أن مغالاة هذه النظرية في دور التبرير الذهـــني يهمش و يستثني العوامل الموضوعية و دورها في تعرفنا على المكان أو الشيء المدرك .
على عكس الرأي السابق نجد المدرسة الحشطالتية التي تــــرفض التمييز بين الإحساس و الإدراك, كما ترفض أن يكون الإدراك مجموعة احساسات بل الإدراك من أول وهلة هو إدراك لمجموعات ذات صور و بنيات , فالإدراك في نظرها هو استجابة كلية للبيئة أو جواب لما تفرضه علينا , و بناء على هذا فإنه في عملية الإدراك لا تعطي المعطيات صورها الذهنية عن طريق الحكم المعالي و إنما تدرك الموضوعات التي تبرز في مجال إدراكنا فتجعلنا ننتبه إليها دون غيرها , هاته الموضوعات البارزة تسمى أشكالا و صيغا و حسب النظرية فإن العالم الخارجي موجود على شكل منظم و في قوانين معينة لذلك فإنها ترى أننا ندرك صيـغا و أشكالا لها خصائص هندسية (الشكل – البروز – الحجم …)و ذلك بناء على عوامل موضوعية منها :
أ/*عامل التقارب:التنبيهات الحسية المتقاربة في الزمان و المكان تبدو في مجال إدراكنا كوحدة مستقلة في الشكل 1(………)ندرك النقاط على شكل سلسلة , و في الشكل 2(.. .. ..)ندرك النقاط كصيغة مستقلة (منفردة , زوجية).
ب/*عامل التشابه:ندرك التنبيهات المتشابهة في اللون و الحجم و الشكل و الحركـة كالأشياء و النقاط كصيغة مستقيمة مثل الشكل 3 (ــ ــ ــ . . .) الذي يفرض علينا أن ندرك النقاط كصيغة و الخطوط كصيغة أخرى .
ج/*عامل الإغلاق يلعب دورا هاما في السلوك و خاصة الغريزي منه و معـناه أن الأشياء و الأشكال تميل إلى الاكتمال في إدراكنا مثلا الشكل 4 ( ) الدائرة تدرك كدائرة حين عندما يكون محيطها غير مكتمل و قد نتعرف على شخص ما ربما فقط عند رؤية بعض ملامحه .
هذه تعد أهم القوانين التي تنظم عملية الإدراك عند أصحاب النظرية الحشطالتية و هي في نظرهم لا تصدق على مجال البصر فقط بل تتعداه إلى كل المجالات الحسية الأخرى فالأصوات هي عبارة عن بنيات أو صيغ ندركها عن طريق السمع , و الدليل في ذلك هو أنه عندما نسمع أغنية ما ندرك كوحدة مألوفة من اللحن و الكلمات و الإيقاع أي كبنية متـكاملة و لا ندركها كأجزاء مفصلة .
هذا الرأي هو الآخر لم يصمد للنقد ذلك أن النظرية الغشطالتية و إن نبهتنا إلى أهمية العوامل الخارجية في تشكيل عملية الإدراك فإنها قللت من دور الـــذات العارفة في عملية الإدراك و جعلت العقل مجرد إطار سلبي يستقبل شتى المدركات. إن تأثير البنيات المنتظمـة و الصور الكلية في الذهن لا يعني أن الذات العارفة لا تؤثر في الأشياء التي تدركها.
التجاوز: إن العيب الذي تؤاخذ عليه النظريتان هو أنهما فصلتا بين الذات و العوامل الموضوعية (الخارجية) في عملية الإدراك و قدتعتبر مشكلة الإحساس والإدراك من المشكلات الفلسفية المعقدة والتي طرحت على طاولة البحث الفلسفي في صورته القديمة والحديثة ولاشك أن الأطروحة التي لا تفصل بين (الذات المدركـة و الموضوع المدرك) هي أقرب إلى التفسير الموضوعي و هي الأطروحة التي تتبناها الفلسفة الظواهرية فهي لا تفصل الذات عن الموضوع في عملية الإدراك. يرى الظواهريون أن النظرية الذهنية تشوه الإحساس لأنها تجعله خاليا من المعنى، و الغشطالت شوهوا الإدراك لأنهم فسروه من خلال الأشياء المدركة أي العوامل الموضوعية، فالإدراك شعور ذاتي أما الشيء المدرك فهو خارج عنا فلا يمكن تفسير الأول بالثاني.الإدراك شعور و الشعور هو دائما شعور بشيء ما. إن محاولة هذا الطرح التوفيق بين الذات و الموضوع لم يعفه من نقيصة تغليب الشعور الذاتي لإدراكاتنا بكون هذه الأخيرة تتغير بتغير شعورنا بها.
MoNir- عضو دهبي
- عدد المساهمات : 5815
نقاط : 41264
السٌّمعَة : -1
تاريخ التسجيل : 29/10/2011
» هل يمكن التمييز بين الاحساس و الادراك ؟ جدلية - تصميم الاستاذ ج-فيصل
» بحث في فائدة درس الاحساس والادراك s.v.p