بحـث
مواضيع مماثلة
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 162 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 162 زائر :: 3 عناكب الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 624 بتاريخ الخميس نوفمبر 07, 2024 4:07 pm
التسجيل السريع
// Visit our site at http://java.bdr130.net/ for more code
12>الحجاج و أنواعه
صفحة 1 من اصل 1
الحجاج و أنواعه
- مفهوم الحجاج:
تتعارض نظرية الحجاج في اللغة مع كثير من النظريات والتصورات الحجاجية الكلاسيكية التي تعد الحجاج منتميا إلى البلاغة الكلاسيكية ( أرسطو) أو البلاغة الحديثة ( برلمان، أولبريخت تيتيكا، ميشال ميير....) أو منتميا إلى المنطق الطبيعي ( جان بلير غريز...)
إن هذه النظرية التي وضع أسسها اللغوي الفرنسي أزفالد ديكرو ( O.DUCROT) منذ سنة 1973 نظرية لسانية تهتم بالوسائل اللغوية وبإمكانات اللغات الطبيعية التي يتوفر عليها المتكلم، وذلك بقصد توجيه خطابه وجة ما، تمكنه من تحقيق بعض الأهداف الحجاجية، ثم إنها تنطلق من الفكرة الشائعة التي مؤادها: "أننا نتكلم عامة بقصد التأثير".
هذه النظرية تريد أن تبين أن اللغة تحمل بصفة ذاتية وجوهرية(Intrinséque) وظيفة حجاجية، وبعبارة أخرى، هناك مؤشرات عديدة لهذه الوظيفة في بنية الأقوال نفسها.
ولأخذ فكرة واضحة عن مفهوم "الحجاج" Argumentation ينبغي مقارنته بمفهوم البرهنة Démonstration أو الاستدلال المنطقي. فالخطاب الطبيعي ليس خطابا برهانيا بالمعنى الدقيق للكلمة، فهو لا يقدم براهين وأدلة منطقية، ولا يقوم على مبادئ الاستنتاج المنطقي.فلفظة "الحجاج" لا تعني البرهنة على صدق إثبات ما، أو إظهار الطابع الصحيح(Valide) لاستدلال ما من وجهة نظر منطقية.ويمكن التمثيل لكل من البرهنة والحجاج بالمثالين التاليين:
• كل اللغويين علماء
زيد لغوي
إذن زيد عالم
• انخفض ميزان الحرارة
إذن سينزل المطر
يتعلق الأمر في المثال الأول ببرهنة أو بقياس منطقي (syllogisme)،أما في المثال التاني، فإنه لا يعدو أن يكون حجاجا أو استدلالا طبيعيا غير برهاني .
واستنتاج أن زيدا عالم، في المثال الأول حتمي وضروري لأسباب منطقية، أما استنتاج احتمال نزول المطر في المثال الآخر فهو يقوم على معرفة العالم، وعلى معنى الشطر الأول من الجملة، وهو استنتاج احتمالي .
لقد انبثقت نظرية الحجاج في اللغة من داخل نظرية الأفعال اللغوية التي وضع أسسها أو ستين وسورل. وقد قام ديكرو بتطوير أفكار وآراء أوستين بالخصوص، واقترح،في هذا الإطار،إضافة فعلين لغويين هما فعل الاقتضاء وفعل الحجاج.وبما أن نظرية الفعل اللغوي عند أوستين وسورل قد واجهتها صعوبات عديدة(عدم كفاية التصنيفات المقترحة للأفعال اللغوية مثلا)، فقد قام ديكرو بإعادة تعريف مفهوم التكليم أو الإنجاز(l 'illoutoire)،مع التشبث دائما بفكرة الطابع العرفي (conventionnel)للغة.وهو يعرفه بأنه فعل لغوي موجه إلى إحداث تحويلات ذات طبيعة قانونية، أي مجموعة من الحقوق والواجبات.ففعل الحجاج يفرض على المخاطب نمطا معينا من النتائج باعتباره الاتجاه الوحيد الذي يمكن أن يسير فيه الحوار.والقيمة الحجاجية لقول ما هي نوع من الإلزام تعلق بالطريقة التي ينبغي أن يسلكها الخطاب بخصوص تناميه واستمراره.
ونشير بهذا الخصوص إلى أن فكرة القيمة القانونية -التي تقدم قولا ما باعتباره له سلطة معينة- مرتبطة، بشكل وثيق جدا، بالفرضية التي ترى أن معنى القول هو وصف لقوليته .ولذلك فإن العلاقات الشرعية القانونية (الحقوق والواجبات) محصورة في المجال الخطابي الذي يتموقع فيه المتكلم والمخاطب.
إن الحجاج هو تقديم الحجج والأدلة المؤدية إلى نتيجة معينة، وهو يتمثل في إنجاز تسلسلات استنتاجية داخل الخطاب، وبعبارة أخرى، يتمثل الحجاج في إنجاز متواليات من الأقوال، بعضها هو بمثابة الحجج اللغوية، وبعضها الآخر هو بمثابة النتائج التي تستنتج منها.إن كون اللغة لها وظيفة حجاجية يعني أن التسلسلات الخطابية محددة،لا بواسطة الوقائع(les faits) المعبر عنها داخل الأقوال فقط، ولكنها محددة أيضا وأساسا بواسطة بنية هذه الأقوال نفسها، وبواسطة المواد اللغوية التي تم توظيفها وتشغيلها.
ومن هنا وجب التمييز بين الاستدلال Raisonnement والحجاج Argumentation لأنهما ينتميان إلى نظامين جد مختلفين، نظام ما نسميه عادة بـ"المنطق"،ونظام الخطاب.إن استدلالا ما(القياس الحملي أو الشرطي مثلا) لا يشكل خطابا بالمعنى القوي الذي يعطيه ديكرو لهذا المصطلح.
إن الأقوال التي يتكون منها استدلال ما ،مستقلة بعضها عن بعض،بحيث إن كل قول منها يعبر عن قضية ما، أي يصف حالة ما،أو وضعا ،من أوضاع العالم ،باعتباره وضعا واقعيا أو متخيلا.ولهذا فإن تسلسل الأقوال في الاستدلال ليس مؤسسا على الأقوال نفسها ، ولكنه مؤسس على القضايا المتضمنة فيها،أي على ما تقوله أو تفترضه بشأن العالم.
أما الحجاج فهو مؤسس على بنية الأقوال اللغوية، وعلى تسلسلها واشتغالها داخل الخطاب .
ونوضح هذا بالأمثلة التالية:
• أنا متعب، إذن أنا بحاجة إلى الراحة
• الجو جميل، لنذهب إلى النزهة
• الساعة تشير إلى الثامنة، لنسرع
• عليك أن تجتهد لتنجح
إذا نظرنا في هذه الجمل،فسنجد أنها تتكون من حجج ونتائج،والحجة يتم تقديمها لتؤدي إلى نتيجة معينة.فالتعب،مثلا،في الجملة الأولى،يستدعي الراحة ويقنع النفس أو الغير بضرورتها.فالتعب دليل وحجة على أن الشخص المعني بالأمر بحاجة إلى أن يرتاح ويستريح، ونقول الشيء نفسه عن الأمثلة الأخرى، فجمال الجو يدعو ويدفع إلى التنزه، ويعتمده المتكلم لإقناع مخاطبه بضرورة الخروج إلى النزهة أو بالذهاب إلى شاطئ البحر أو إلى حديقة عمومية للتجول فيها من أجل الترويح عن النفس والاستمتاع بجمال الطبيعة.فالمتكلم يقدم هذا العنصر باعتباره حجة ودليلا لصالح النتيجة المقصودة.
ونشير إلى أن مفاهيم الحجة والنتيجة كانت، في التصور السابق الذي نجده عند ديكرو، وخاصة في كتابة" السلميات الحجاجية" عبارة عن أقوال، أما في التصور الذي نجده في أعماله الأخيرة، فإن هذه المفاهيم أعطيت لها دلالة واسعة ومجردة، فالحجة، حسب هذا التصور الجديد، عبارة عن عنصر دلالي يقدمه المتكلم لصالح عنصر دلالي أخر، والحجة قد ترد في هذا الإطار على شكل قول أو فقرة أو نص، أو قد تكون مشهدا طبيعيا أو سلوكا غير لفظي إلى غير ذلك.
والحجة قد تكون ظاهرة أو مضمرة بحسب السياق، والشيء نفسه بالنسبة إلى النتيجة والرابط الحجاجي الذي يربط بينهما. ويمكن أن نبين هذا على الشكل التالي:
• أنا متعب،إذن أنا بحاجة إلى الراحة
• أنا متعب،أنا بحاجة إلى الراحة
• أنا متعب
• أنا بحاجة إلى الراحة
فإذا قارنا بين هذه الأقوال، فسنجد أنه تم التصريح بالحجة والرابط والنتيجة في المثال الأول، وتم التصريح بالحجة والنتيجة وأضمر الرابط في المثال الثاني.أما المثال الثالث فلم يصرح فيه إلا بالحجة، والنتيجة مضمرة يتم استنتاجها من السياق، ونجد عكس ذلك في المثال الرابع، حيث ذكرت النتيجة وأضمرت الحجة.وتتسم الحجج اللغوية بعدة سمات.نذكر بعضها على سبيل التمثيل لا الحصر:
I. إنها سياقية: فالعنصر الدلالي الذي يقدمه المتكلم باعتباره يؤدي إلى عنصر دلالي آخر، فإن السياق هو الذي يصيره حجة، وهو الذي يمنحه طبيعته الحجاجية، ثم إن العبارة الواحدة،المتضمنة لقضية واحدة، قد تكون حجة أو نتيجة، أو قد تكون غير ذلك بحسب السياق.
II. إنها نسبية:فلكل حجة قوة حجاجية معينة، فقد يقدم المتكلم حجة ما لصالح نتيجة معينة، ويقدم خصمه حجة مضادة أقوى بكثير منها، وبعبارة أخرى هناك الحجج القوية والحجج الضعيفة والحجج الأوهى والأضعف.
ج- إنها قابلة للإبطال .
وعلى العموم، فإن الحجاج اللغوي نسبي ومرن وتدريجي وسياقي بخلاف البرهان المنطقي والرياضي الذي هو مطلق وحتمي.
والعلاقة التي تربط بين الحجة والنتيجة هي التي تدعي "العلاقة الحجاجية"،وهي تختلف،بشكل جدري عن علاقة الاستلزام أو الاستنتاج المنطقي.ويمكن أن نرمز لها على الشكل التالي:
ح ــــــــــــــــــــــ∑ ن
2- السلم الحجاجي
السلم الحجاجي هو علاقة ترتيبية للحجج يمكن أن نرمز لها كالتالي:
ن
________________________________________
________________________________________
د
________________________________________
ج
________________________________________
ب
ن = النتيجة
"ب"،"ج"،"د":حجج وأدلة تخدم النتيجة "ن".
فعندما تقوم بين الحجج المنتمية إلى فئة حجاجية ما، علاقة ترتيبية معينة، فإن هذه الحجج تنتمي إذاك إلى نفس السلم الحجاجي فالسلم الحجاجي هو فئة حجاجية موجهة. ويتسم السلم الحجاجي بالسمتين الآتيتين:
I. كل قول يرد في درجة ما من السلم، يكون القول الذي يعلوه دليلا أقوى منه بالنسبة إلى "ن"
II. إذا كان القول "ب"يؤدي إلى النتيجة "ن"،فهذا يستلزم أن"ج" أو"د" الذي يعلوه درجة يؤدي إليها ،والعكس غير صحيح.فإذا أخذنا الأقوال الآتية:
1. حصل زيد على الشهادة الثانوية
2. حصل زيد على شهادة الإجازة
3. حصل زيد على شهادة الدكتوراه
فهذه الجمل تتضمن حججا تنتمي إلى نفس الفئة الحجاجية، وتنتمي كذلك إلى نفس السلم الحجاجي، فكلها تؤدي إلى نتيجة مضمرة من قبيل "كفاءة زيد"أو"مكانته العلمية".ولكن القول الأخير هو الذي سيرد في أعلى درجات السلم الحجاجي، وحصول زيد على الدكتوراه هو بالتالي أقوى دليلا على مقدرة زيد وعلى مكانته العلمية.ويمكن الترميز لهذا السلم كما يلي:
ن= الكفاءة العلمية
________________________________________
د الدكتوراه
________________________________________
ج الإجازة
________________________________________
ب الشهادة الثانوية
• قوانين السلم الحجاجي:
وأهم هذه القوانين ثلاثة:
1. قانون النفي:إذا كان قول ما "أ" مستخدما من قبل متكلم ما ليخدم نتيجة معينة، فإن نفيه (أي ~ أ) سيكون حجة لصالح النتيجة المضادة.
وبعبارة أخرى، فإذا كان "أ" ينتمي إلى الفئة الحجاجية بواسطة"ن"، فإن "~ أ " ينتمي إلى الفئة الحجاجية المحددة بواسطة "لا - ن".ويمكن أن نمثل لهذا بالمثالين التاليين:
• زيد مجتهد، لقد نجح في الامتحان
• زيد ليس مجتهدا، إنه لم ينجح في الامتحان
فإذا قبلنا الحجاج الوارد في المثال الأول، وجب أن نقبل كذلك الحجاج الوارد في المثال الثاني.
1. قانون القلب: يرتبط هذا القانون أيضا بالنفي، ويعد تتميما للقانون، ومفاد هذا القانون أن السلم الحجاجي للأقوال المنفية هو عكس سلم الأقوال الإثباتية. وبعبارة أخرى، إذا كان (َأ) أقوى من (أ) بالقياس إلى النتيجة "ن"، فإن( ~ أ) هوأقوى من ( ~ أ..)بالقياس إلى "لا - ن".ويمكن التعبير عن هذه الفكرة بصيغة أخرى فنقول:إذا كانت إحدى الحجتين أقوى من الأخرى في التدليل على نتيجة معينة، فإن نقيض الحجة الثانية أقوى من نقيض الحجة الأولى في التدليل على النتيجة المضادة.ويمكن أن نرمز لهذا بواسطة السلمين الحجاجيين التاليين:
ن لا- ن
________________________________________
________________________________________
أ` ~أ
________________________________________
________________________________________
أ ~أ`
ولنوضح هذا بالمثالين التاليين:
• حصل زيد على الماجستير، وحتى الدكتوراه
• لم يحصل زيد على الدكتوراه، بل لم يحصل على الماجستير
فحصول زيد على الدكتوراه أقوى دليل على مكانته العلمية من حصوله على الماجستير في حين أن عدم حصوله على الماجستير هو الحجة الأقوى على عدم كفاءته من عدم حصوله على شهادة الدكتوراه .
وهذا يفسر لنا أيضا لحن الجملتين التاليتين، أوشذوذهما وغرابتهما على الأقل:
- حصل زيد على الدكتوراه، بل حصل على الماجستير
- لم يحصل زيد على الماجستير ،بل لم يحصل على الدكتوراه
1. قانون الخفض: يوضح قانون الخفض Loi d’abaissement ) الفكرة التي ترى أن النفي اللغوي الوصفي يكون مساويا للعبارة:"moins que " فعندما نستعمل جملا من قبيل:
• الجو ليس باردا
• لم يحضر كثير من الأصدقاء إلى الحفل
فنحن نستبعد التأويلات التي ترى أن البرد قارس وشديد (المثال الأول) أو أن الأصدقاء كلهم حضروا إلى الحفل (المثال الثاني). وسيؤول القول الأول على الشكل التالي:
• إذا لم يكن الجو باردا، فهو دافى أوحار
وسيؤول القول الثاني كما يلي:
• لم يحضر إلا القليل منهم إلى الحفل
وتتجلى صعوبة صياغة هذه الوقائع، في أن الخفض الذي ينتج عن النفي لا يتموقع في السلم الحجاجي، ولا يتموقع أيضا في سلمية تدريجية موضوعية يمكن تعريفها بواسطة معايير فيزيائية.فلا تندرج الأقوال الإثباتية (من نمط "الجو بارد") والأقوال المنفية(من نمط "الجو ليس بارد) في نفس الفئة الحجاجية ولا في نفس السلم الحجاجي.ومع لك فقد اقترح أحد المناطقة المعاصرين صياغة تقريبية لهذا القانون نوردها كما يلي:
"إذا صدق القول في مراتب معينة من السلم، فإن نقيضه يصدق في المراتب التي تقع تحتها".
ويرتبط بمفهوم السلم الحجاجي مفهوم آخر هو مفهوم الوجهة أوالاتجاه الحجاجي ويعني هذا المفهوم أنه إذا كان قول ما يمكن من إنشاء فعل حجاجي فإن القيمة الحجاجية لهذا القول يتم تحديدها بواسطة الاتجاه الحجاجي، وهذا الأخير قد يكون صريحا او مضمرا، فإذا كان القول أو الخطاب معلما، أي مشتملا على بعض الروابط والعوامل الحجاجية، فإن هذه الأدوات والروابط تكون متضمنة لمجموعة من الإشارات والتعليمات التي تتعلق بالطريقة التي يتم بها توجيه القول أو الخطاب. أما في حالة كون القول غير معلم، فإن التعليمات المحددة للاتجاه الحجاجي تستنتج إذاك من الألفاظ والمفردات بالإضافة إلى السياق التداولي والخطاب العام.
الروابط والعوامل الحجاجية:
لما كانت للغة وظيفة حجاجية، وكانت التسلسلات الخطابية محددة بواسطة بنية الأقوال اللغوية وبواسطة العناصر والمواد التي تم تشغيلها، فقد اشتملت اللغات الطبيعية على مؤشرات لغوية خاصة بالحجاج. فاللغة العربية، مثلا، ، تشتمل على عدد كبير من الروابط والعوامل الحجاجية التي لا يمكن تعريفها إلا بالإحالة على قيمتها الحجاجية. نذكر من هذه الدوات: لكن، بل،إذن،حتى،لاسيما،إذ،لأن، بما أن ، مع ذلك، ربما، تقريبا، إنما، ما...إلا....إلخ.
إن هذه الأدوات التي دفعت ديكرو وأنسكومبر إلى رفض نموذج شارل موريس - والدفاع عن فرضية التداوليات المندمجة. وترتبط القيمة التداولية الحجاجية لقول ما بالنتيجة التي يمكن أن يؤدي إليها، أي بتتمته الممكنة والمحتملة، ولا ترتبط بتاتا بالمعلومات التي يتضمنها.
لقد اقترح ديكرو وصفا حجاجيا جديدا لهذه الروابط والأدوات باعتباره بديلا للوصف التقليدي. فإذا كان هذا الأخير يصف الأداة بأنها تشير إلى أن " ب " يستلزم " أ " فقط ، ويصف بأنها تشير إلى التعارض القائم بين القضايا التي تربط بينها، فإن الوصف الحجاجي لهذين الرابطين هو كالتالي: يسلم المخاطب بـ"ب" ، وبالإحالة على استلزام "ب" لـ " أ " ، فإن عليه أن يقبل " أ " ، وبالنسبة إلى " لكن" " تميل إلى أن تستنتج من " أ " نتيجة ما، لاينبغي القيام بذلك، لأن "ب" ، وهي صحيحة مثل" أ " ، تقترح النتيجة المضادة". أما بالنسبة إلـى" حتى" فليس دورها منحصرا في أن تضيف إلى المعلومة (جاء زيد) في القول ( حتى زيد جاء) معلومة أخرى (مجيئ زيد غير متوقع)، بل إن دور هذا الرابط يتمثل في إدراج حجة جديدة، أقوى من الحجة المذكورة قبله، والحجتان تخدمان نتيجة واحدة، لكن بدرجات متفاوتة من حيث القوة الحجاجية.
وينبغي أن نميز بين صنفين من المؤشرات والأدوات الحجاجية: الروابط الحجاجية والعوامل الحجاجية، فالروابط تربط بين قولين، أو بين حجتين على الأصح ( أو أكثر) ، وتسند لكل قول دورا محددا داخل الاستراتيجية الحجاجية العامة. ويمكن التمثيل للروابط بالدوات التالية: بل، لكن، حتى، لا سيما، إذن، لأن، بما أن ، إذ....
أما العوامل الحجاجية فهي لاتربط بين متغيرات حجاجية أي بين حجة ونتيجة أو بين مجموعة حجج) ، ولكنها تقوم بحصر وتقييد الإمكانات الحجاجية التي تكون لقول ما وتضم مقولة العوامل أدوات من قبيل: ربما، تقريبا، كاد، قليلا، كثيرا ، ما...إلا، وجل أدوات القصر.
وقد أدرج ديكرو مفهوم العامل الحجاجي، لأول مرة في مقاله المعنون"Notes sur L'argumentation et L'acte d'argumenter" المنشور سنة 1982، ثم فصل فيه القول بعد ذلك في مقاله المنشور سنة 1983، والذي يحمل عنوان"Opérateurs argumentatifs et visée argumentative:
ولنوضح مفهوم العامل الحجاجي بشكل أكثر، ندرس المثالين الآتيين:
• الساعة تشير إلى الثامنة
• ؟ لاتشير الساعة إلا إلى الثامنة
فعندما أدخلنا على المثال الأول أداة القصر "لا....إلا"، وهي عامل حجاجي، لم ينتج عن ذلك أي اختلاف بين المثالين بخصوص القيمة الإخبارية أو المحتوى الإعلامي، ولكن الذي تأثر بهذا التعديل هو القيمة الحجاجية للقول، أي الإمكانات الحجاجية التي يتيحها. فإذا أخذنا القولين الآتيين:
• الساعة تشير إلى الثامنة، أسرع
• ؟ لا تشير الساعة إلا إلى الثامنة، أسرع
فسنلاحظ ان القول الأول سليم ومقبول تماما أما القول الثاني فيبدو غريبا، ويتطلب سياقا خاصا وأكثر تعقيدا حتى نستطيع تاويله وبعبارة أخرى، فهو يتطلب مسارا تأويليا مختلفا.
وإذا عدنا إلى المثال السابق (الساعة تشير إلى الثامنة )، فسنجد أن له إمكانات حجاجية كثيرة.فقد يخدم هذا القول نتائج من قبيل:الدعوة إلى الإسراع، التأخر والاستبطاء، هناك متسع من الوقت، موعد الأخبار ...إلخ وبعبارة أخرى، فهو يخدم نتيجة من قبيل :"أسرع"، كما يخدم النتيجة المضادة لها:"لا تسرع"، لكن عندما أدخلنا عليه العامل الحجاجي:"لا...إلا"، فإن إمكاناته الحجاجية تقلصت، وأصبح الاستنتاجي العادي والممكن هو:
- "لا تشير الساعة إلا إلى الثامنة، لا داعي للاسراع".
أما الرابط الحجاجي (حروف العطف، الظروف...) فهو يربط بين وحدتين دلاليتين(أوأكثر)، في أطار استراتيجية حجاجية واحدة، وهذا في إطار الصيغة الجديدة للنظرية الحجاجية، أما في التصور السابق، فقد كنا نقول إنه يربط بين قولين (أو أكثر)، وقد تم التخلي عن هذا التصور لأن ظاهرة الربط جد معقدة، ولأن الربط بين الأقوال ليس إلا حالة خاصة، فقد يربط الرابط بين قولين وقد يربط بين عناصر غير متجانسة، كأن يربط مثلا بين قول وقولية(une enonciation )، أو بين قول وسلوك غير كلامي، إلى غير ذلك من الحالات الممكنة.
فإذا أخذنا المثال التالي:
• زيد مجتهد، إذن سينجح في الامتحان فسنجد أنه يشتمل على حجة هي( زيد مجتهد) ونتيجة مستنتجة منها (سينجح)، وهناك الرابط (إذن) الذي يربط بينهما.
ونميز بين أنماط عديدة من الروابط:
I. الروابط المدرجة للحجج (حتى،بل،لكن،مع ذلك،لأن...)والروابط المدرجة للنتائج (إذن،لهذا،وبالتالي.....)
II. الروابط التي تدرج حججا قوية (حتى ،بل،لكن،لاسيما...)والروابط التي تدرج حججا ضعيفة .
ج- روابط التعارض الحجاجي (بل،لكن،مع ذلك...)، وروابط التساوق الحجاجي (حتى،لاسيما)
4- المبادئ الحجاجية:
وجود الروابط والعوامل الحجاجية لا يكفي لضمان سلامة العملية الحجاجية، ولا يكفي أيضا لقيام العلاقة الحجاجية، بل لابد من ضامن يضمن الربط بين الحجة والنتيجة، هذا الضامن هو من يعرف بالمبادئ الحجاجية (les topoi)،وهي تقابل مسلمات الاستنتاج المنطقي في المنطق الصوري أو الرياضي.هذه المبادئ هي قواعد عامة تجعل حجاجا خاصا ما ممكنا، ولها خصائص عديدة، نذكر منها ما يلي:
I. إنها مجموعة من المعتقدات والأفكار المشتركة بين الأفراد داخل مجموعة بشرية معينة.
II. العمومية:فهي تصلح لعدد كبير من السياقات المختلة والمتنوعة .
ج- التدرجية (la gradualite): إنها تقيم علاقة بين محمولين تدريجيين أو بين سلمين حجاجيين (العمل- النجاح) مثلا.
د- النسبية:فإلى جانب السياقات التي يتم فيها تشغيل مبدأ حجاجي ما، هناك إمكان إبطاله ورفض تطبيقه باعتباره غير وارد وغير ملائم للسياق المقصود، أو يتم إبطاله باعتماد مبدأ حجاجي آخر مناقض له. فالعمل يؤدي إلى النجاح ولكنه قد يؤدي إلى الفشل في سياق آخر إذا زاد عن الحد المطلوب وإذا نظر إليه على أنه تعب وإرهاق وإهدار للطاقة. وإذا نظرنا في المثالين التاليين :
- أنا متعب، إذن أنا بحاجة إلى الراحة
- سينجح زيد لنه مجتهد
فسنقول إن المبدأ الحجاجي الموظف في الجملة الأولى هو:
• بقدر تعب الإنسان، تكون حاجته إلى الراحة
ويمكن أن يصاغ هذا المبدأ صياغة تعبيرية أخرى:
• كلما كان الإنسان متعبا، كان بحاجة إلى الراحة
• يكون الإنسان بحاجة على الراحة بمقدار ما يكون متعبا.
ونشير إلى أن اللغوي السويسري ألان براندوري صاغ هذه المبادئ صياغة استلزامية على الشكل التالي:"إذا أ،فإن ب" ، لكن ديكرو انتقد هذه الصياغة، واقترح صياغة أخرى ذات طابع تجريدي، وذلك باعتماد قيمتي "زائد"(+) و"ناقص (–)، بحيث عبر عنها بهذا الشكل:
Il fait beau, la promenade est agreable (≠)
• ونترجمها على النحو التالي :
• بقدر ما يكون الجو جميلا، تكون النزهة محبذة .
ويشتمل المثال الآخر على مبدأ حجاجي من قبيلالاجتهاد يؤدي إلى النجاح )أو(تكون فرص نجاح الإنسان بقدر عمله واجتهاده).
فالمبادئ الحجاجية إذن، هي مجموعة من المسلمات والأفكار والمعتقدات المشتركة بين أفراد مجموعة لغوية وبشرية معينة، والكل يسلم بصدقها وصحتها، فالكل يعتقد أن العمل يؤدي إلى النجاح ،وأن التعب يستدعي الراحة ،وأن الصدق والكرم والشجاعة كم القيم النبيلة والمحببة لدى الجميع، والتي تجعل المتصف بها في أعلى المراتب الاجتماعية، والكل يقبل أيضا أن انخفاض ميزان الحرارة يجعل سقوط المطر محتملا.وبعض هذه المبادئ يرتبط بمجال القيم والأخلاق، وبعضها الآخر يرتبط بالطبيعة ومعرفة العالم .
وإذا كانت المبادئ الحجاجية ترتبط بالإيديولوجيات الجماعية، فإنه من الممكن أن ينطلق استدلالان من نفس المقدمات، وأن يعتمدا نفس الروابط والعوامل، ومع ذلك يصلان إلى نتائج مختلفة، بل متضادة .ولن يفسر هذا إلا باعتماد مبادئ حجاجية تنتمي إلى إيديولوجيات متعارضة. لكن إلى جانب هذه المبادئ المحلية (topoi locaux) المرتبطة بإيديولوجيات الأفراد داخل المجموعة البشرية الواحدة، هناك مبادئ أخرى أعم، وهي مشتركة بين جميع أفراد المجموعة اللغوية، ومؤشر لها داخل اللغة.
MoNir- عضو دهبي
- عدد المساهمات : 5815
نقاط : 41304
السٌّمعَة : -1
تاريخ التسجيل : 29/10/2011
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى