بحـث
مواضيع مماثلة
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 391 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 391 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 624 بتاريخ الخميس نوفمبر 07, 2024 4:07 pm
التسجيل السريع
// Visit our site at http://java.bdr130.net/ for more code
12>جولة حول عين الفوارة.
صفحة 1 من اصل 1
جولة حول عين الفوارة.
كانت تسمى زمانا "ستيفيس" و"مطمورة روما" يتغنى الشعراء والفنانون ب "عين الفوارة" فيها، وتردد النسوة والعجائز مدائح عن شيخها الصالح "سيدي الخيّر" و"حمام السّخنة" لؤلؤة السِّباخ في الجزائر قاطبة، ولم يشفع تاريخ "ستيفيس" العتيق الضارب في القدم، ولا عراقة عادات أهلها من "العمريين والعمريات" من أن تتحول أزقتها وأحيائها الشعبية إلى حلبات لمعارك الذهب المغشوش، تحت أنظار تمثال "عين الفوارة" الذي تعلوها امرأة عارية، تتوسط كبريات ساحات المدينة، امرأة ظلت وما تزال تفرق بين أفراد العائلة الواحدة من سكان المدينة نفسها أو تلك الوافدة إليها سياحة أو تجارة أو عبورا، ممن لم تألف "ثقافة العري" التي حاول الاستعمار الفرنسي فرضها على سكان المنطقة خارج أسوار المتاحف وطيات الكتب المختصة .
المفارقة في تمثال "عين الفوراة" الواقع بقلب مدينة "سطيف" عاصمة الهضاب العليا التي تبعد عن العاصمة الجزائر بحوالي 300كلم إلى الشرق، أن التمثال الذي ظل يخدش حياء من يمر أمامه، وتتحاشى السير بالقرب منه العائلات المحافظة، وتتجنبه الفتيات والصبايا، اتقاء تعاليق الشباب الواقف على جنبات المكان، يمارس على كل من يشرب من منبعه الذي تتربع فوقه المرأة العارية ذات الشعر الأشقر الذي ينساب فوق كتفيها مثلما ينساب الماء العذب من العنصر الطبيعي، ما يشبه السحر الذي يجعل شارب ماء عين الفوارة يغرم بالمكان فيعود مرة ثانية وثالثة إليه وإلى سلطانته ولو كان سائحا، وظل السحر الذي تمارسه "عين الفوارة" على عطشاها، قريب من الحكايا الغرائبية المنسوجة من أساطير الرومان والإغريق، مثلما ظل الصدر والعجز في كل الأبيات الشعرية التي تناولت التمثال "الفتنة" تتغنى بسحر ماء عين الفوارة، وتتناسى معه كل الحرج الأخلاقي الذي يسببه المكان لأهله ولمن يقصده من الأحباب والأصدقاء من داخل الجزائر وخارجها .
و ما تزال الاستفهامات قائمة إلى اليوم بشأن بقاء تمثال "عين الفوارة" شامخا وسط عاصمة الهضاب العليا، رغم سنوات الأزمة الأمنية التي عصفت بالجزائر طيلة التسعينيات، ويستغرب أهل المدينة كيف نجا التمثال من التخريب وهو يستعرض أمام الملأ مفاتن جسد امرأة عارية في حجم لا يخفي تفاصيل الإغراء الأنثوي، في وقت كانت الأنظار جميعها موجهة إلى مصير هذا المعلم، بل كانت جميع الآراء المعلنة وغير المعلنة تجمع أن "عين الفوراة" لن تغدو بعد تلك السنوات سوى ركاما يعلوه الغبار وذكرى قد تكون جميلة للبعض وقبيحة للبعض الآخر. لكن التمثال ومن فوقه المرأة العارية ومن تحته الماء العذب الرقراق، ظل يتوسط المدينة بإصرار لا يختلف عن الإصرار الفرنسي الذي نصب التمثال في قلب المدينة ضاربا عرض الحائط فيما يشبه التحدي، المقومات الثقافية والدينية والأخلاقية لشعب لم تفلح (القفف الملغومة) لمجاهدي ثورته المجيدة في نسفه مثلما كانت تنسف مقاهي المعمرين ونواديهم الليلية وأسواقهم، وفي مدينة اقترن اسمها باسم أحداث 8مايو 1945التي واجهت الآلة الاستعمارية لفرنسا وشكلت الوعي الأول لثورة التحرير التي انطلقت بعد ذلك بعشر سنوات وحررت الجزائر.
ولا يحسبك الجزائريون برمتهم، انك زرت ولاية سطيف، إن أنت أسقطت من برنامجك السياحي "عين الفوراة" فللمكان، رغم "قلة حياء" المنتصبة فوق معلمه الأثري، جاذبيته ورونقه، ويكاد يكون فخر الكبار والصغار معا، وملهم الشاعر والكاتب والمبدع على حد سواء، فصورة الجميع من صورته، ولتاريخه وحكاياه وذكرياته اعتبار خاص عند أهل المدينة، وإغفال زيارته "سلوك مشين" يعادل سلوك رفض تناول كأس شاي داخل خيمة صحراوي أو بدوي جزائري . وزيادة على الإحراج الذي يسببه التمثال ذاته، يزيدك سكان سطيف إحراجا آخرا عندما يستغربون زيارتك لمدينتهم وتجاهل "عين الفوارة" أو إغفال تخليد مرورك ذات يوم بسطيف بأخذ صورة تذكارية أمام تمثال المرأة التي تسقي عطشى المدينة بسخاء قلّ نظيره !
وللمكان حكاية جميلة، لولا أن صاحبها جعل من ملهمته ملكية مشاعة، تتقاسمها عيون الغرباء، ويتسلى بها اللصوص وطيور الليل، ولم تقدر على سترها نجوم السماء ولا ثرى الأرض، فعين الفوارة هي أولا وقبل كل شيء حكاية امرأة، يقال أن حاكما فرنسيا أحبها وعشقها حتى الثمالة، ولأن المرأة كانت لرجل آخر، لم يكن أمام الحاكم الفرنسي الولهان بجمالها، سوى اختطافها، ما كسّر قلب حبيبها، الذي لم يكن أمامه هو الآخر سوى تخليد صورتها وذكراها بإقامة تمثال لها يحتل وسط المدينة فوق نبع ماء، حتى يبقى حبه لها متدفقا للأبد مثل تدفق الماء من العنصر الذي تعلوه .
والحقيقة أن تمثال "عين الفوراة" وبعيدا عن قصص الحب والعشق، هي واحدة من العيون أو منابع المياه المعدنية الطبيعية الكثيرة التي تزخر بها مدينة سطيف الجميلة، ولقد أطلق عليها الرومان زمانا اسم "مطمورة روما" لكونها كانت وما تزال منطقة نموذجية للراحة والاستجمام بما حباها الله من ينابيع معدنية وأنهار وهواء ناعم، إلى جانب خصوبة الأرض، ومن هذه الصفة استمدت تسميتها "ستيفيس" التي تعني الأرض السوداء أو الخصبة، وقد أحاطها الرومان بمدن وقلاع كبرى لا تزال منها مدينة "جميلة" التي تعتبر من الآثار المحمية من قبل هيئة اليونسيكو .
- منتدى وادي الطاقة 2011 ©-
novateen- عضو متألق
- عدد المساهمات : 172
نقاط : 24114
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 21/12/2011
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى