بحـث
مواضيع مماثلة
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 59 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 59 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 624 بتاريخ الخميس نوفمبر 07, 2024 4:07 pm
التسجيل السريع
// Visit our site at http://java.bdr130.net/ for more code
12>من أخطاء الآباء :
2 مشترك
Oued Taga - وادي الطاقة :: منتدى الأسرة و المجتمع :: منتدى المجتمع :: قسم تربية الابناء وما يخص الطفل المسلم
صفحة 1 من اصل 1
من أخطاء الآباء :
من أخطاء الآباء :
قد يلقي البعض منّا مسؤولية ذلك على الآباء وحدهم دون الأبناء ، على اعتبار أ نّهم الأكثر تجربة والأغنى خبرة في الحياة، ولأ نّهم يُفترَض فيهم أن يكونوا المسامحين ، وذوي القلوب الكبيرة ، والأرجح عقلاً .
وبالرغم من تقديرنا لذلك ، فإنّنا لا نعفي الأبناء عن إثارة حفائظ آبائهم ، خاصّة إذا عرفوا أنّ هناك أموراً غير لائقة لا يصحّ أن يؤتوا بها ، فيأتوا بها ، أو يتعمّدون أحياناً فعلها .
ولأنّ مسؤولية الآباء أكبر ، سنقف عند بعض الأخطاء التربوية التي لو شُخِّصت بشكل جيِّد ، وتمّ التعامل معها بحكمة ، لقلّصت دائرة الاصطدام بين الآباء وبين أبنائهم ، ولنبدأ باستخدام العُنف ..
(3)
فهناك بعض الآباء الذين يعنِّفون أبناءهم أسوة بآبائهم الذين كانوا يعاملونهم بنفس المعاملة، وكأنّهم ورثوا منهم العُنف والقسوة والتسلّط . ولانريد أن ندخل في تحليل ذلك ودراسة مدى تأثير الأساليب التربوية المستخدمة في البيت على مستقبل التعامل الاُسري لدى الأبناء . لكنّنا نقول للآباء الذين يتعامـلون بهذه الطريقة الجارحة : تذكّروا مدى انزعاجكم ونفوركم من التعامل الخشن الذي كان يعاملكم به آباؤكم ، فكيف يرتضي أب عاشَ التعامـل القاسي ، أن يعامـل ابنـه بنفـس المعاملة ؟ وهل من التربية في شيء أن يصرخ الأب دائماً ، ويضرب أولاده لأدنى خطأ ولأتفه سبب ؟ ويُحدِث جوّاً من الرّعب والتوتّر في البيت وكأ نّه جلاّد صغير ؟!
لقد دخل أحد الولاة على أحد الخلفاء ، فرآه يُلاعب صبيّاً له ، وكان الصـبيّ يمتطي ظهر الخليفـة ، فتعجّب الوالي من ذلك ، وأثار استغرابه واستهجانه ، ولم يكتمها في نفسه ، فقال للخليفة : كيفَ تفعل ذلك يا مولاي ؟!
فسأله الخليفة ، وقد عرفَ من سؤاله أ نّه لا يتعامل مع صبيانه بهذه الطريقة : وكيفَ تُعامل أولادك يا ترى ؟! فقال الوالي معتدّاً بأسلوبه الصارم : إذا دخلتُ البيت ، جلسَ القائم وسكت الناطق ، فقال له الخليفة : إنّك لا تصلح والياً للرعيّة ، لأ نّك بذلك تخنق أنفاسها .
ولو جرّب أحد الآباء أن يُسجِّل لقطات من حالات انفعاله الشديد وغضبه المُزبد المُرعد في شريط فيديو ، وعرضه في لحظة صفاء ، لخجل من نفسه ، ولأنكر ذاك الذي يراهُ أمامه ، وقد فقد السيطرة على انفعالاته . فلم نعمل ما نستحي منه ، أو يدعونا إلى الاعتذار مع ما في الاعتذار من حالة إذلال للنفس ؟!
وأمّا اعتـبار ذلك ضبطاً عائلياً أو حسماً وحزماً حتى لا يفلت الزمام ، فإنّ العُـنف قد يُنتج أسرة خاضعة مطيعة منصاعة مذعنة ، لكنّها الطاعة بالإكراه ، والانصياع الجبري الذي ما أن يُرفع القيد عنه حتى يتفجّر غضباً واستياءً وكراهية . أمّا إذا استمرّ فإنّه سيخلِّف عقداً نفسية ربّما يصعب علاجها .
وهل ضاقت بنا السّـبل ـ كآباء ـ فلم نجد أمامـنا من أسلوب للضّبط غير العصا والصّفعة والشتيمة وربّما البصقة بوجه الابن أو البنت ؟!
يقول الحكماء: «آخر الدواء الكي» . فَلِمَ يكون أوّل دوائنا الكيّ؟! لماذا لا نُجرِّب الخطوات التي تسبقه ، فلعلّها تأتي بالنتائج المرجوّة ؟ لماذا الإقدام على العُنف أوّلاً ؟ هل استنفدنا أساليب الزّجر كلّها ؟ فرُبّ نظرة ذات مغزى منعت من ارتكاب أخطاء لاحقة . ورُبّ كلمة وعظ مؤنِّبة كفّت عن تجاوزات مستقبلية .
لماذا ندفـع أبنـاءنا وبناتـنا إلى أن يكـونوا عصـبيين وانفعاليين ومشدودي الأعصاب دائماً بتعاملنا معهم بطريقة جارحة لأحاسيسهم؟ لماذا نجني عليهم بأن
(4)
يكونوا حادِّي المزاج مع الآخرين بالتقاط ذلك منّا ودون إرادة منهم ؟ وما يُدرينا فربّما انعكس ذلك على تعاملهم مع أبنائهم في المستقبل . فهل قدّرنا النتائج الوخيمة لذلك كلّه ؟
غيرَ أنّ التسلّط الأبوي قد يأخذ شكلاً آخر ، في فرض كلمة الأب لتكون الاُولى والأخيرة بلا أخذ ولا ردّ ولا مناقشة ولا اعتبار لآراء الأسرة . وربّما برز ذلك من خلال فرض مزاج الأب وشهوته على أسرته ، فهو يريد الطّعام الذي يشتهيه حتى ولو لم يحبّه أولاده . وقد ورد في الحديث : «ملعون من أكّل عياله بشهوته ، ولم يأكل بشهوة عياله» . فالأوّل أناني والثاني مُتـفان ، ومَن يأكل بشـهيّة أهلـه وما يُفضِّلون من أطعمة ، فإنّه يزرع في نفوسهم حبّاً واحتراماً له ، وإذا لم يُقدّر في الوقت الحاضر ، فإنّه سيترك تأثيره عليهم في المستقبل في أن لا يكونوا هم أنفسهم أنانيين .
وهناك من الآباء مَن يزعق ويوبِّخ ويسبّ ويضرب إذا أقلق الأولاد راحته في نومه أو جلوسه أو مطالعته ، فيما هو لا يأبه لراحة عيـاله ولا يقـيم لها وزناً ، فكأنّهم عبيد مأمـورون لا حـقّ لهم في الاستمتاع بحرِّيتهم في بيتهم .
ومن الأخطاء الفادحة التي يرتكبها الآباء وتؤثِّر سلبياً على الأبناء ، الازدواجية بين شعاراتهم وبين سلوكهم ، فالإبن أو البنت ينظران لوالديهما على أنّهما قدوتهما في الحـياة ، فإذا ما رأوا أ نّهما يمارسان الاُمور المنهيّ عنها من قِبَلهـما ، فإنّ ردّة فعل ذلك ستكون عنيفة ، ومن نتائجها عدم إطاعة الوالدين أو الامتثال لأوامرهما مستقبلاً . وإلاّ كيف يمكن لأب مدخِّن يوصي ابنه بعدم التدخين ؟ وحتى لو كان يدخِّن سرّاً ، أما يمكن أن يضبطه ابنه ـ ذات يوم ـ متلبِّساً بالتدخين ، فيسقط في نظره ؟!
ومن أخطاء الآباء ، تضخيم أخطاء الأبناء ، واعتبار الصغيرة كبيرة ، وكأنّ الخطأ الذي يرتكبه الابن أو البنت لا يُغتفر ، أو لا يمكن إصلاحه ، حتى أنّ البعض من الآباء أو الأمّهات ، ونتيجة لصبرهم المحدود والنافد سريعاً ، يشتكون من بعض تصرّفات أبنائهم بالقول : لقد تغيّروا .. لم يعودوا يطيعوننا .. هم الآن غيرهم بالأمس .. لا جدوى من صلاحهم، في حين أنّ بالإمكان معالجة الكثير من تلك التي تُسمّى مشكلات بكثير من المحبّة والتفاهم والحكمة والصّبر . يقول الامام عليّ ابن أبي طالـب (عليه السلام) : «إذا عاتبتَ الحَـدِث ـ وهو الشاب الصغير ـ فاترك موضعاً من ذنبه لئلاّ يحمله الإحراج على المكابرة» .
ومن أخطائهم أيضاً ، أ نّهم يتعاملون مع أبنائهم وبناتهم كأطفال صغار لم يشبّوا عن الطوق، ولم يبلغوا الحلم ، وما زالوا دون سنّ الرُّشد، ممّا يُبرِّر لهم فرض وصايتهم عليهم حتى وهم كبار ، الأمر الذي يخلق حالة من النفور والنرفزة عند الشبّان والشابّات الذين يتطلّعون إلى تعامل فيه الكثير من الرحمة والتقدير والاحترام لشخصياتهم التي غادرت دنيا الصغار إلى دنيا الكبار .
(5)
فما زال الكثير من الآباء والاُمّهات حتى بعد بلوغ أبنائهم وبناتهم سنّ الشباب ، يوصونهم عندما يخرجون إلى معاهدهم أو أماكن عملهم ، أن ينتبهوا لئلاّ تدهسهم السيارة ، وإلى غير ذلك من الوصايا التي كانت صالحة في الطفولة ولم تعد مُناسِبَة بعدما اعتاد الشاب أو الشابّة على مراقبة الطريق ومعرفة الكثير ممّا شاكلها .
ومن الأخطاء أيضاً أن نفرض على أبنائنا صيغة معيّنة من العمل أو المهنة نحبّها ولا يحبّونها ، ذلك أنّ الشاب أو الشابّة شخصية مستقلّة لها رأيها وذوقها ورغبتها في عمل معيّن وكراهيّتها لعمل آخر ، فأن تفرض على ابنك نمطاً حياتياً أو عملياً معيّناً ، كأن يكون تاجراً مثلك أو طبيباً أو محامياً أو مهندساً أو أديباً ، يعني أ نّك تريدهُ نسخة طبق الأصل منك . والحال أ نّه يريد أن يكون نسخة أصلية من نفسـه ، أي أن يعيش أصالة شخصيّته ، وللوالدين الحقّ في أن يناقشاه في اختياره، وليس لهما أن يجبراه على خيار معيّن .
وهذا الخطأ الناتج عن التدخّل السافر في كلِّ ما يمتّ للأبناء والبنات بصلة ، يجرّ في العـادة إلى أخطاء مُماثلـة ، تدخل كلّها تحت عنوان التدخّل في الشـؤون الخاصّة للشاب أو الشابّة ، وسنفرِّق لاحقاً بين التدخّل وبين التشاور ، وبينه وبين الرعاية .
فالشبّان والشابّات عموماً يتضايقون كثيراً من التدخّلات المباشرة التي يقحم الأب والاُم فيها نفسيهما إقحاماً مُخلاًّ ومُسيئاً للعلاقة مع أبنائهما . فالتجسّس على الأبناء والبنات يُعقِّد العلاقة ويهدم جسور الثقة والتواصل ، ويدفع إلى مزيد من التكتّم والانغلاق حتى في الاُمور التي لا تستدعي ذلك . فكما أ نّنا ـ كآباء ـ لا نرغب في أن يتجسّس علينا أحد ، فكذلك الأبناء ، والنهي في الآية الكريمة (ولا تجسّسوا ) ([1]) ، كما هو واضح عامٌّ وشامل ، وسنميِّز لاحقاً بين ( التجسّس ) وبين ( المراقبة ) .
وقد يصل التدخّل أحياناً في الزواج وإجبار البنت أو الابن على قبول شريك حياة لا يهويانه ، وهذا ممّا يزيد في الطِّين بلّة ، وقد يقدمان على أعمال مُنافية للعُرف ، وقد يرضـخان ، فيعيشان النكد والخصومات المستمرّة ، وقد يبلغ الأمر درجة الطّلاق وإلى ما لا تُحمد عُقباه .
عن أبي يعفور ، عن أبي عبدالله جعفر الصادق (عليه السلام) ، قال : قلتُ له : إنِّي أريد أن أتزوّج إمرأة ، وإنّ أبوَيّ أرادا غيرها ، قال : «تزوّج التي هويت ودَع التي يهوى أبواك» . ذلك أنّ الذي يريد أن يتزوّج هو الابن أو البنت ، وليس الأب أو الاُم ، اللّذين لا يملكان في ذلك سوى حق المشورة والنصيحة .
ومن الأخطاء الجسيمة التي يرتكبها الوالدان ، التمييز العاطفي والمادِّي بين الأبناء أنفسهم ، أو بين الأبناء وبين البنات ، الأمر الذي يخلق فجوة نفسية بين الذين يقع عليهم
(6)
التمييز وبين المميّزين ، وبين الذين يشعرون بحيف التمـييز وبين الوالدين . فقد يخصّ الأبوان أحد الأبناء بالعطف والمحبّة والهدايا والإشادة بصفاته ونشاطاته ، ويهملون الآخرين أو لا يوزِّعون ذلك بالتساوي بينهم .
ولقد نظر النـبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى رجل له إبنان ، فرآه يُقبِّل أحدهما ويترك الآخر ، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : «فهلاّ ساويتَ بينهما» ؟!
فإذا كانت القُبـلة لأحد الأبنـاء تُشـعِر الآخر بالتمـييز ، فما بالكَ بالامتيـازات التي تُمنح لأحـدهما ويُحرَم الثاني منها ؟ والمسألة في خصوص الفتيات أعقد ، لأ نّهنّ أرقّ مشاعر وأرهف إحساساً . يقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : «ساووا بين أولادكم في العطيّة ، فلو كنت مُفضِّلاً أحداً لفضّلت النِّساء» . وهذا ليس من باب التمييز ، بل من باب التقديم المعنوي وإشعار الجنس الناعم بلطف الاسلام وتقديره للمرأة .
وتجدرنا الاشـارة إلى أنّ هذه الأخطاء ـ وغيرها كثير لا يسمح المجال لذكره ـ قد تؤدِّي إلى الانكماش والعزلة والانطواء كنتيجة سلبيّة ، إذا لم تكن تؤدِّي إلى النزاع والاصطدام والشِّجار .
قد يلقي البعض منّا مسؤولية ذلك على الآباء وحدهم دون الأبناء ، على اعتبار أ نّهم الأكثر تجربة والأغنى خبرة في الحياة، ولأ نّهم يُفترَض فيهم أن يكونوا المسامحين ، وذوي القلوب الكبيرة ، والأرجح عقلاً .
وبالرغم من تقديرنا لذلك ، فإنّنا لا نعفي الأبناء عن إثارة حفائظ آبائهم ، خاصّة إذا عرفوا أنّ هناك أموراً غير لائقة لا يصحّ أن يؤتوا بها ، فيأتوا بها ، أو يتعمّدون أحياناً فعلها .
ولأنّ مسؤولية الآباء أكبر ، سنقف عند بعض الأخطاء التربوية التي لو شُخِّصت بشكل جيِّد ، وتمّ التعامل معها بحكمة ، لقلّصت دائرة الاصطدام بين الآباء وبين أبنائهم ، ولنبدأ باستخدام العُنف ..
(3)
فهناك بعض الآباء الذين يعنِّفون أبناءهم أسوة بآبائهم الذين كانوا يعاملونهم بنفس المعاملة، وكأنّهم ورثوا منهم العُنف والقسوة والتسلّط . ولانريد أن ندخل في تحليل ذلك ودراسة مدى تأثير الأساليب التربوية المستخدمة في البيت على مستقبل التعامل الاُسري لدى الأبناء . لكنّنا نقول للآباء الذين يتعامـلون بهذه الطريقة الجارحة : تذكّروا مدى انزعاجكم ونفوركم من التعامل الخشن الذي كان يعاملكم به آباؤكم ، فكيف يرتضي أب عاشَ التعامـل القاسي ، أن يعامـل ابنـه بنفـس المعاملة ؟ وهل من التربية في شيء أن يصرخ الأب دائماً ، ويضرب أولاده لأدنى خطأ ولأتفه سبب ؟ ويُحدِث جوّاً من الرّعب والتوتّر في البيت وكأ نّه جلاّد صغير ؟!
لقد دخل أحد الولاة على أحد الخلفاء ، فرآه يُلاعب صبيّاً له ، وكان الصـبيّ يمتطي ظهر الخليفـة ، فتعجّب الوالي من ذلك ، وأثار استغرابه واستهجانه ، ولم يكتمها في نفسه ، فقال للخليفة : كيفَ تفعل ذلك يا مولاي ؟!
فسأله الخليفة ، وقد عرفَ من سؤاله أ نّه لا يتعامل مع صبيانه بهذه الطريقة : وكيفَ تُعامل أولادك يا ترى ؟! فقال الوالي معتدّاً بأسلوبه الصارم : إذا دخلتُ البيت ، جلسَ القائم وسكت الناطق ، فقال له الخليفة : إنّك لا تصلح والياً للرعيّة ، لأ نّك بذلك تخنق أنفاسها .
ولو جرّب أحد الآباء أن يُسجِّل لقطات من حالات انفعاله الشديد وغضبه المُزبد المُرعد في شريط فيديو ، وعرضه في لحظة صفاء ، لخجل من نفسه ، ولأنكر ذاك الذي يراهُ أمامه ، وقد فقد السيطرة على انفعالاته . فلم نعمل ما نستحي منه ، أو يدعونا إلى الاعتذار مع ما في الاعتذار من حالة إذلال للنفس ؟!
وأمّا اعتـبار ذلك ضبطاً عائلياً أو حسماً وحزماً حتى لا يفلت الزمام ، فإنّ العُـنف قد يُنتج أسرة خاضعة مطيعة منصاعة مذعنة ، لكنّها الطاعة بالإكراه ، والانصياع الجبري الذي ما أن يُرفع القيد عنه حتى يتفجّر غضباً واستياءً وكراهية . أمّا إذا استمرّ فإنّه سيخلِّف عقداً نفسية ربّما يصعب علاجها .
وهل ضاقت بنا السّـبل ـ كآباء ـ فلم نجد أمامـنا من أسلوب للضّبط غير العصا والصّفعة والشتيمة وربّما البصقة بوجه الابن أو البنت ؟!
يقول الحكماء: «آخر الدواء الكي» . فَلِمَ يكون أوّل دوائنا الكيّ؟! لماذا لا نُجرِّب الخطوات التي تسبقه ، فلعلّها تأتي بالنتائج المرجوّة ؟ لماذا الإقدام على العُنف أوّلاً ؟ هل استنفدنا أساليب الزّجر كلّها ؟ فرُبّ نظرة ذات مغزى منعت من ارتكاب أخطاء لاحقة . ورُبّ كلمة وعظ مؤنِّبة كفّت عن تجاوزات مستقبلية .
لماذا ندفـع أبنـاءنا وبناتـنا إلى أن يكـونوا عصـبيين وانفعاليين ومشدودي الأعصاب دائماً بتعاملنا معهم بطريقة جارحة لأحاسيسهم؟ لماذا نجني عليهم بأن
(4)
يكونوا حادِّي المزاج مع الآخرين بالتقاط ذلك منّا ودون إرادة منهم ؟ وما يُدرينا فربّما انعكس ذلك على تعاملهم مع أبنائهم في المستقبل . فهل قدّرنا النتائج الوخيمة لذلك كلّه ؟
غيرَ أنّ التسلّط الأبوي قد يأخذ شكلاً آخر ، في فرض كلمة الأب لتكون الاُولى والأخيرة بلا أخذ ولا ردّ ولا مناقشة ولا اعتبار لآراء الأسرة . وربّما برز ذلك من خلال فرض مزاج الأب وشهوته على أسرته ، فهو يريد الطّعام الذي يشتهيه حتى ولو لم يحبّه أولاده . وقد ورد في الحديث : «ملعون من أكّل عياله بشهوته ، ولم يأكل بشهوة عياله» . فالأوّل أناني والثاني مُتـفان ، ومَن يأكل بشـهيّة أهلـه وما يُفضِّلون من أطعمة ، فإنّه يزرع في نفوسهم حبّاً واحتراماً له ، وإذا لم يُقدّر في الوقت الحاضر ، فإنّه سيترك تأثيره عليهم في المستقبل في أن لا يكونوا هم أنفسهم أنانيين .
وهناك من الآباء مَن يزعق ويوبِّخ ويسبّ ويضرب إذا أقلق الأولاد راحته في نومه أو جلوسه أو مطالعته ، فيما هو لا يأبه لراحة عيـاله ولا يقـيم لها وزناً ، فكأنّهم عبيد مأمـورون لا حـقّ لهم في الاستمتاع بحرِّيتهم في بيتهم .
ومن الأخطاء الفادحة التي يرتكبها الآباء وتؤثِّر سلبياً على الأبناء ، الازدواجية بين شعاراتهم وبين سلوكهم ، فالإبن أو البنت ينظران لوالديهما على أنّهما قدوتهما في الحـياة ، فإذا ما رأوا أ نّهما يمارسان الاُمور المنهيّ عنها من قِبَلهـما ، فإنّ ردّة فعل ذلك ستكون عنيفة ، ومن نتائجها عدم إطاعة الوالدين أو الامتثال لأوامرهما مستقبلاً . وإلاّ كيف يمكن لأب مدخِّن يوصي ابنه بعدم التدخين ؟ وحتى لو كان يدخِّن سرّاً ، أما يمكن أن يضبطه ابنه ـ ذات يوم ـ متلبِّساً بالتدخين ، فيسقط في نظره ؟!
ومن أخطاء الآباء ، تضخيم أخطاء الأبناء ، واعتبار الصغيرة كبيرة ، وكأنّ الخطأ الذي يرتكبه الابن أو البنت لا يُغتفر ، أو لا يمكن إصلاحه ، حتى أنّ البعض من الآباء أو الأمّهات ، ونتيجة لصبرهم المحدود والنافد سريعاً ، يشتكون من بعض تصرّفات أبنائهم بالقول : لقد تغيّروا .. لم يعودوا يطيعوننا .. هم الآن غيرهم بالأمس .. لا جدوى من صلاحهم، في حين أنّ بالإمكان معالجة الكثير من تلك التي تُسمّى مشكلات بكثير من المحبّة والتفاهم والحكمة والصّبر . يقول الامام عليّ ابن أبي طالـب (عليه السلام) : «إذا عاتبتَ الحَـدِث ـ وهو الشاب الصغير ـ فاترك موضعاً من ذنبه لئلاّ يحمله الإحراج على المكابرة» .
ومن أخطائهم أيضاً ، أ نّهم يتعاملون مع أبنائهم وبناتهم كأطفال صغار لم يشبّوا عن الطوق، ولم يبلغوا الحلم ، وما زالوا دون سنّ الرُّشد، ممّا يُبرِّر لهم فرض وصايتهم عليهم حتى وهم كبار ، الأمر الذي يخلق حالة من النفور والنرفزة عند الشبّان والشابّات الذين يتطلّعون إلى تعامل فيه الكثير من الرحمة والتقدير والاحترام لشخصياتهم التي غادرت دنيا الصغار إلى دنيا الكبار .
(5)
فما زال الكثير من الآباء والاُمّهات حتى بعد بلوغ أبنائهم وبناتهم سنّ الشباب ، يوصونهم عندما يخرجون إلى معاهدهم أو أماكن عملهم ، أن ينتبهوا لئلاّ تدهسهم السيارة ، وإلى غير ذلك من الوصايا التي كانت صالحة في الطفولة ولم تعد مُناسِبَة بعدما اعتاد الشاب أو الشابّة على مراقبة الطريق ومعرفة الكثير ممّا شاكلها .
ومن الأخطاء أيضاً أن نفرض على أبنائنا صيغة معيّنة من العمل أو المهنة نحبّها ولا يحبّونها ، ذلك أنّ الشاب أو الشابّة شخصية مستقلّة لها رأيها وذوقها ورغبتها في عمل معيّن وكراهيّتها لعمل آخر ، فأن تفرض على ابنك نمطاً حياتياً أو عملياً معيّناً ، كأن يكون تاجراً مثلك أو طبيباً أو محامياً أو مهندساً أو أديباً ، يعني أ نّك تريدهُ نسخة طبق الأصل منك . والحال أ نّه يريد أن يكون نسخة أصلية من نفسـه ، أي أن يعيش أصالة شخصيّته ، وللوالدين الحقّ في أن يناقشاه في اختياره، وليس لهما أن يجبراه على خيار معيّن .
وهذا الخطأ الناتج عن التدخّل السافر في كلِّ ما يمتّ للأبناء والبنات بصلة ، يجرّ في العـادة إلى أخطاء مُماثلـة ، تدخل كلّها تحت عنوان التدخّل في الشـؤون الخاصّة للشاب أو الشابّة ، وسنفرِّق لاحقاً بين التدخّل وبين التشاور ، وبينه وبين الرعاية .
فالشبّان والشابّات عموماً يتضايقون كثيراً من التدخّلات المباشرة التي يقحم الأب والاُم فيها نفسيهما إقحاماً مُخلاًّ ومُسيئاً للعلاقة مع أبنائهما . فالتجسّس على الأبناء والبنات يُعقِّد العلاقة ويهدم جسور الثقة والتواصل ، ويدفع إلى مزيد من التكتّم والانغلاق حتى في الاُمور التي لا تستدعي ذلك . فكما أ نّنا ـ كآباء ـ لا نرغب في أن يتجسّس علينا أحد ، فكذلك الأبناء ، والنهي في الآية الكريمة (ولا تجسّسوا ) ([1]) ، كما هو واضح عامٌّ وشامل ، وسنميِّز لاحقاً بين ( التجسّس ) وبين ( المراقبة ) .
وقد يصل التدخّل أحياناً في الزواج وإجبار البنت أو الابن على قبول شريك حياة لا يهويانه ، وهذا ممّا يزيد في الطِّين بلّة ، وقد يقدمان على أعمال مُنافية للعُرف ، وقد يرضـخان ، فيعيشان النكد والخصومات المستمرّة ، وقد يبلغ الأمر درجة الطّلاق وإلى ما لا تُحمد عُقباه .
عن أبي يعفور ، عن أبي عبدالله جعفر الصادق (عليه السلام) ، قال : قلتُ له : إنِّي أريد أن أتزوّج إمرأة ، وإنّ أبوَيّ أرادا غيرها ، قال : «تزوّج التي هويت ودَع التي يهوى أبواك» . ذلك أنّ الذي يريد أن يتزوّج هو الابن أو البنت ، وليس الأب أو الاُم ، اللّذين لا يملكان في ذلك سوى حق المشورة والنصيحة .
ومن الأخطاء الجسيمة التي يرتكبها الوالدان ، التمييز العاطفي والمادِّي بين الأبناء أنفسهم ، أو بين الأبناء وبين البنات ، الأمر الذي يخلق فجوة نفسية بين الذين يقع عليهم
(6)
التمييز وبين المميّزين ، وبين الذين يشعرون بحيف التمـييز وبين الوالدين . فقد يخصّ الأبوان أحد الأبناء بالعطف والمحبّة والهدايا والإشادة بصفاته ونشاطاته ، ويهملون الآخرين أو لا يوزِّعون ذلك بالتساوي بينهم .
ولقد نظر النـبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى رجل له إبنان ، فرآه يُقبِّل أحدهما ويترك الآخر ، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : «فهلاّ ساويتَ بينهما» ؟!
فإذا كانت القُبـلة لأحد الأبنـاء تُشـعِر الآخر بالتمـييز ، فما بالكَ بالامتيـازات التي تُمنح لأحـدهما ويُحرَم الثاني منها ؟ والمسألة في خصوص الفتيات أعقد ، لأ نّهنّ أرقّ مشاعر وأرهف إحساساً . يقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : «ساووا بين أولادكم في العطيّة ، فلو كنت مُفضِّلاً أحداً لفضّلت النِّساء» . وهذا ليس من باب التمييز ، بل من باب التقديم المعنوي وإشعار الجنس الناعم بلطف الاسلام وتقديره للمرأة .
وتجدرنا الاشـارة إلى أنّ هذه الأخطاء ـ وغيرها كثير لا يسمح المجال لذكره ـ قد تؤدِّي إلى الانكماش والعزلة والانطواء كنتيجة سلبيّة ، إذا لم تكن تؤدِّي إلى النزاع والاصطدام والشِّجار .
- منتدى وادي الطاقة 2011 ©-
امولة- عضو دهبي
- عدد المساهمات : 1565
نقاط : 28597
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 26/10/2011
زهرة القدس- عضو دهبي
- عدد المساهمات : 1579
نقاط : 28398
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 28/10/2011
زهرة القدس- عضو دهبي
- عدد المساهمات : 1579
نقاط : 28398
السٌّمعَة : 6
تاريخ التسجيل : 28/10/2011
Oued Taga - وادي الطاقة :: منتدى الأسرة و المجتمع :: منتدى المجتمع :: قسم تربية الابناء وما يخص الطفل المسلم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى