بحـث
مواضيع مماثلة
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 31 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 31 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 624 بتاريخ الخميس نوفمبر 07, 2024 4:07 pm
التسجيل السريع
// Visit our site at http://java.bdr130.net/ for more code
12>تعليم الإناث وتربيتهن بقلم العلامة تقي الدين الهلالي
Oued Taga - وادي الطاقة :: منتدى الأسرة و المجتمع :: منتدى المجتمع :: قسم تربية الابناء وما يخص الطفل المسلم
صفحة 1 من اصل 1
تعليم الإناث وتربيتهن بقلم العلامة تقي الدين الهلالي
[align=center]تعليم الإناث وتربيتهن
بقلم الدُكتُور مجدد المغرب تقيِّ الدِّين الهلاليِ -رحمه الله تعالى-
المدرس بكلية الدعوة وأصول الدين - بالجامعة الإسلامية - [/align]
[align=justify]نحمد الله تعالى ونصلي ونسلم على محمد رسوله وعلى آله وصحبه. في هذه المسألة اليوم ثلاثة مذاهب متباينة:
المذهب الأول:
عدم تعليمهن أكثر من قراءة المصحف بدون فهم.
قال أصحاب هذا المذهب: إنه أحسن المذاهب وأولاها بالصواب، وهو الذي وجدنا عليه آباءنا وهم كانوا أحسن منا، وتعليم النساء يفسد أخلاقهن، فإن المرأة التي لا تقرأ ولا تكتب تكون بعيدة عن متناول شياطين الإنس، فإن القلم كما لا يخفى أحد اللسانين، فبعدم معرفتها للقراءة والكتابة تأمن شر هذا اللسان وبضرب الحجاب المتين عليها تأمن شر اللسان الثاني، فيتم لها الأمن.
وكم رأينا من متعلمات لم يأتهن الشر إلا من قبل تعلمهن، وهذا في زمان الإسلام والعفاف والأنفة العربية، وأما في هذا الزمان فقد بلغ السيل الزبى، واتسع الخرق على الراقع. فإن معرفة الفتاة للقراءة توصل إلى ذهنها جميع ما يقع في الدنيا من الفساد والمخادنة وتملأ فكرها بهواجس خبيثة كانت في عافية منها.
وفي الحديث: "لا تسكنوهن الغرف ولا تعلموهن الكتابة، وعلموهن المغزل وسورة النور" فهذه هي التربية الصحيحة، فتعليم الكتابة ذريعة إلى المكاتبة مع الفجار, وإسكانهن الغرف ذريعة إلى التخاطب ولو بالإشارة مع الفساق, وتعليمهن المغزل فيه شغل نافع لهن بما فيه من رياضة البدن والفكر وبما يثمره الغزل من المال الذي يستعن به على معاشهن، وتعليمهن سورة النور يحملهن على العفاف، لأن فيها حد الزنا والزجر عنه، وحد القذف، وتوبيخ فاعله، وفيها حكم اللعان وما يلحق صاحبيه من العار والخزي، وفيها قصة الإفك والمرأة الظاهرة البريئة، وبيان ما أعد الله لمن يقذف المحصنات الغافلات عن الشر المؤمنات بالله من العذاب الأليم في الدنيا والآخرة، وفيها أمر الله للمؤمنين والمؤمنات بغض البصر وعدم إظهار زينتهن والنهي عن التبرج بالزينة، وهذا والله نعم الأدب للفتاة، ولو عمل الناس بهذا الحديث لصلحت حال النساء ورأى الناس من الخير والعفاف ما لم يكن لهم به عهد منذ زمان بعيد.
المذهب الثاني:
تعليمهن وتربيتهن على منهاج دعاة التفرنج, قال أصحاب هذا المذهب: نحن لا نريد أن نطيل القيل والقال، ونضيع أوقاتنا في الجدال الفراغ، هناك أمم راقية حرة سعيدة في حياتها. وهناك أمم أخرى منحطة مستعبدة شقية في حياتها، وقد نظرنا فوجدنا أن سبب سعادة تلك وشقاء هذه هو العمل والمال، لذلك عزمنا على الاقتداء بالأمم الراقية، لنكون مثلهم: نقتدي بهم في التعلم والتعليم والتربية والتفكير والزي والمعيشة ونظام الحكم وفي كل شيء. ومن ذلك تعليم المرأة وحرية المرأة ومساواتها للرجل في كل شيء ممكن بلا قيد ولا شرط. فهذا الذي نؤمن به ونعمل على تنفيذه وقولكم بدفن النساء في قبور البيوت ومنعهن من التصرف في أموالهن وشؤونهن، ومنعكم لهن حتى من التنفس في الهواء ومن رؤية طريقهن إذا دعتهن ضرورة للخروج, بل تغاليتم حتى جعلتم صورتهن عورة ونقصتم حقهن في الميراث فجعلتموه على النصف ويا ليت النصف الباقي يسلم لهن، فإنه يضيع في أغلب الأحوال، لأن لزومها الحجاب وكون أخيها أو أبيها أو ابن عمها هو الرقيب عليها يضيع عليها النصف الذي تركتم لها، لأن هذا القريب غالبا يعتدي عليها فيأكل مالها, والحجاب يمنعها من المطالبة بحقها فتحرم من كل شيء وتبقى في ظلمات سجنها تشكو إلى ربها ظلم الرجال وجورهم.
ولا يقف الأمر عند ذلك، بل يحرم العالم من نصفه، سواء قلنا كما يقول الأوروبيون إن هذا النصف هو الأفضل، أو قلنا إنه مساو، وكيف تحيا أمة نصفها ميت تماما ونصفها الآخر أشل بسبب الجهل والانحطاط, والرقي لا يتجزأ، فإما أن يعم الآباء والأمهات والأبناء، وإما أن يكون الجميع منحطين، وهل سمعت بأمة رجالها مهذبون متمدنون ونساؤها في غاية الجهل والتوحش والبعد عن الحياة؟.
ولماذا لا تصير المرأة حاكمة وملكة ورئيسة ومحامية ونائبة في مجلس النواب, وعينا في مجلس الأعيان؟، أليس سبيل ذلك كله هو العقل والخلق وقوة الذهن وحسن التدبير؟ وهل تتجرءون أن تدّعوا أن المرأة محرومة من العقل والتفكير لا تصلح لشيء إلا للنتاج كالفرس والبقرة؟ إذن لقد نزلتم بأمهاتكم إلى أسفل سافلين.
ولعمري أن مثل هذه الأفكار جديرة أن تحط الأمم من عليائها, وتسبغ عليها ثوب الخمول بل وتقبرها في رمس الهمجية.
كم من ملايين من النساء شاركت في الحرب العالمية الأخيرة؟ وعلى مذهبكم هذا البائس لا توجد امرأة واحدة من بين النساء المقبورات في سجن البيوت تقدر أن تضرب بسهم في الدفاع عن الوطن.
وأما ما تشاغبون به من العفاف، فهو عادة والعادات دائما عرضة للتغير وإن كان أمس من الأمور التي تلحظ بعين الاعتبار فهو اليوم من الأمور التي تدعو إلى السخرية، وقد رأينا عظماء الرجال في البلاد السعيدة ذات السيادة المطلقة وفيهم الفلاسفة والعلماء والأمراء والوزراء لا يعبئون بهذه الأمور ولا يحسبون لها حسابا وقد استقر عندهم أن الفتاة إذا بلغت سبع عشرة سنة فقد صارت حرة في نفسها تصنع ما تشاء وتخالط من تحب وتسافر وحدها ليلا ونهارا، ونحن نقتدي بهذه الأمم ونترسم خطاها في جميع الشؤون.
المذهب الثالث:
متوسط بين المذهبين السابقين قد أخذ خير كل منهما وصوابه، وترك شره وخطأه، وذلك أن تعلم المرأة تعليما يناسب ما خلقت له أولا وهو تدبير المنزل وملؤه سعادة ونظاما وجعله منبتا صالحا للبنين والبنات الأبرار. وثانيا لتكون عونا للرجل في جميع شؤونه المعاشية والحربية والخلقية.
قال أصحاب هذا المذهب: إن أهل المذهب الأول مفْرطون، وأصحاب المذهب الثاني مفرّطون، ونحن نرد عليهم جميعا، ونبين ما عندهم من الخطأ، بادئين بأهل المذهب الأول فنقول:
إن منعكم المرأة من التعلم أو حصره في قراءة حروف المصحف دون فهم لمعنى ما تقرؤه منه، في غاية البعد عن الصواب، فلا هو إسلامي، ولا هو عقلي أو علمي محض، وإن زعمتم أنه موافق للإسلام وذهبتم في ذلك كل مذهب، حتى احتججتم بحديث واه ساقط لا تقوم به حجة عند أصحاب الحديث، هذا من جهة الرواية، وأما من جهة المعنى فهو باطل، فإن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يقرأن، ويكتبن، وغيرهن من الصحابيات، والتابعيات، والحافظات المحدثات، اللاتي روى عنهن الحفاظ.. حتى إن كتب أسماء الرجال: كتهذيب التهذيب، والميزان، ولسان الميزان، والخلاصة، وقبلها طبقات ابن سعد وغير ذلك كلها مشحونة بأسماء عالمات وفقيهات وأديبات, ذلك في زمان عظمة الإسلام حين كانت راياته منصورة وجيوش أعدائه مكسورة مدحورة.
وأما آباؤكم المتأخرون الذين تريدون أن تقتدوا بهم في تجهيل النساء، فلم يكونوا قط أهلا للاقتداء بهم، فإن زمانهم هو زمان الجاهلية الآخرة، وكل الذي يقاسيه الإسلام اليوم فهو نتيجة أعمالهم، ومع ذلك لا نسلم لكم أن أهل العلم من آبائكم كانوا يقولون بهذا القول المرذول، وكيف وقد كان في زمانهم عالمات أديبات، وإن كن قليلات، فلم ينقطع الخير عنهن بالمرة.
وأما قولكم: إن القلم أحد اللسانين، وإن المرأة لجهلها بهذا اللسان وضرب الحجاب الشديد تأمن شر اللسانين، فقد أخطأتم في ذلك خطأ فاحشا. ألم تعلموا أن الفتاة التي ساءت تربيتها لا يمكن صيانتها ولو جعلت في حق وكانت صماء بكماء، والفتاة التي ربيت على العفاف والتحصن لا يصل إليها سوء ولو كانت بين الرجال في غير ريبة، وقد كانت النساء يرافقن رجالهن في الغزوات، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصحب معه نساءه في الغزو والحج، وكانت نساء الصحابة غير قابعات في بيوتهن بل يخرجن لأشغالهن إن كانت، ويعلفن الخيل، ويكدحن في أموالهن، وكان النساء يغزون بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك مسطور في كتب الحديث لا نطيل بذكره، فلم يضرهن ذلك لقوة إيمانهن وكمال عفافهن.
والحاصل أن تعلم الكتابة والقراءة لا يصير المرأة فاسدة ولا صالحة وحده، فإن كانت صالحة فإن تعلمها الكتابة والقراءة يزيدها سلاحا, وإن كانت تربيتها فاسدة فبتعلمها تزداد فسادا؛ لأن العلم بالقراءة والكتابة آلة صالحة للاستعمال في الخير والشر معا.
وأما تعليم سورة النور فهو من أعظم ما أدب الله به المسلمات، وهو كنز عظيم، وذخر جسيم، ولكن ينبغي للفتاة أن لا تهجر غير هذه السورة من القرآن، وسبيل تعليم القرآن هو القراءة، والقراءة لا تنفع إلا بمعرفة المعنى، ومعرفة المعنى لا يمكن إلا بتعلم النحو والصرف واللغة، ولا بد لمن تتعلمه من القراءة والكتابة وأنتم منعتم ذلك, فهذا تناقض منكم وأنتم لا تشعرون.
يصـيب وما يدري ويخطي وما درى (*****) وكيف يكون النـوك إلا كذلكا
وأما تعليم المغزل فهو حسن، ولكن أهم منه في المدن على الأقل تدبير المنزل وتدبير الصحة والتمريض وما أشبه ذلك.
وأما قولكم إن الفتاة في هذا الزمان إذا كانت قارئة تصل إلى ذهنها أنواع الشر بقراءة صحف الخلاعة ومجلاتها، فهو صحيح! ولكن الجاهلة أيضا يصل إليها ذلك بالذهاب إلى السينما ولو خلسة في غيبة الرقيب وتصل إليها بطريق الراديو، ويصل إليها بطريق زائراتها ومحدثاتها، وإذا فسد الجو لم تنفع المعتزل عزلته.
فلو أنكم انتقدتم منهاج تعليم الفتاة وطالبتم بإصلاحه وإبداله بمنهاج كامل يضمن للفتاة التربية الصحيحة بدل إنكاركم للتعليم مرة لكان ذلكم أقرب إلى الصواب.
أما أهل المذهب المقابل فقد أفرطوا وتجازوا الحدود وضلوا ضلالا بعيدا ولا بد أن نناقشهم الحساب، ونبين ما في حملتهم من الحجج الواهية الداحضة، التي هي أوهن من بيت العنكبوت فنقول لهم: أما قولكم إن أمم العالم قسمان: أمم راقية سعيدة، وأخرى منحطة شقية فهو حق، وأما قولكم إن سعادة أولئك السعداء جاءتهم من أعمالهم وأحوالهم فهو صحيح أيضا، ولكنه مجمل يحتاج إلى تفصيل وبيان، وفي إجماله أمكنكم أن تدخلوا ما أدخلتموه من المغالطة، وبيان ذلك أولا أن الأمم الأوروبية تختلف اختلافا كثيرا يكفر من أجله بعضهم بعضا, حتى أن الكاثوليكي لا يقدر أن يتزوج بامرأة بروتستانتية، وإن تجرأ على ذلك عوقب من قبل الكنيسة بالحرمان وهو مصيبة اجتماعية عظيمة. ويختلفون في مناهج الحكم، حتى يفضي بهم ذلك أن يفني بعضهم بعضا بلا إبقاء ولا رحمة، ويختلفون في شؤون النساء فمنهم من يرى وجوب مراقبة الفتاة والمحافظة التامة عليها ومنهم من يطلق لها العنان بعد بلوغها سن الرشد القانوني، ومنهم من يجيز البغاء الرسمي كالأمم اللاتينية لحصر الفساد في أماكن محدودة حسبما ظهر لهم، وهؤلاء يعاملون البغيات بشيء من الرحمة. ومنهم من يحرم البغاء الرسمي كالأمم الجرمانية والأمة البريطانية، وهؤلاء يعاملون البغيات بكل قسوة حتى إنهم ليجعلونهن طبقة منبوذة مستقذرة كالذباب، فلا يمكن البغي أن تتصل بأحد من النساء والرجال ذوي الشرف والمروءة, فهم عندهم كما قال الشاعر:
لتقعدن مقعد القصي (*****) مني ذي القاذورة المقلي
ثم إن هذا التساهل في العرض الموجود عند الأوروبيين لم يكن ناتجا عن المدنية والرقي، بل لا علاقة له بهما أصلا، وإنما هي عادة ورثوها عن آبائهم في زمان جهلهم وهمجيتهم، كما يشهد ذلك تاريخهم، وكذلك بعض الأمم المجاورة للبحر الأبيض المتوسط من غير الأوروبيين، وهي قبائل البربر الذين ليس عندهم من الإسلام إلا اسمه، كآبن مكيلد، وآيت سخمان، واشقيرن، وآيت اسحاق، وآيت هودى وغيرهم، وهذه القبائل في الألوان وبرودة الدم مثل أهل شمالي أوروبة، والغيرة عندهم معدومة، حتى إني رأيتهم إذا وجد أحدهم مع زوجته رجلا يطلق رصاصة في الهواء، لا ليصيب أحدهما بأذى، بل ليعلن الأمر، فيجتمع الناس من كل حدب ينسلون، فيقول لهم الرجل: اشهدوا على فلان فقد وجده مع زوجته، فيقولون: سنشهد لك بما رأينا، فإذا اجتمع ملؤهم في الحي يدعو الزوج ذلك الرجل إلى المحاكمة، فيأتي ويحضر أمام شيوخهم، فيتهمه، ويحضر الشهود، فيشهدون، ومع ذلك كله يجحد المتهم ويقول: إنه لم يفعل شيئا، فيحملون عليه طبقا للعرف أن يدفع إلى الزوج ستة أريلة وكبشا، فيمعن المتهم في الإنكار والامتناع من أداء الغرامة، فيهم الزوج بقتله، فعند ذلك يجري الناس في الصلح بينهما، فيترك الزوج إحدى الغرامتين، إما الكبش وإما ستة أريلة.
وما لنا نذهب بعيدا، فقد جاء في صحيح البخاري أن رجلا كان عنده غلام عسيف أي أجير، فزنى هذا الغلام بامرأة مخدومه، فسأل الرجل بعض الناس ممن ظن أن عندهم علما، فأفتوه أن على الغلام أن يدفع لزوج المرأة مائة شاة، فدفعها أبوه عنه, ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بالقصة، فخطأهم النبي صلى الله عليه وسلم في حكمهم وقال: "أما الغنم فهي رد على أبي الأجير وأما الأجير فعليه جلد مائة وتغريب عام", وأما المرأة فبعث إليها النبي صلى الله عليه وسلم رجلا اسمه أنيس وقال: "أغد عليها فإن اعترفت فارجمها".
فأنت ترى أن مثل هذا الحكم البربري وجد في العرب في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، والبشر هم البشر لا يمتاز شعب عن شعب إلا بأخلاق الأنبياء وعلوم المدنية، فمن جمع بين هذين جمع السعادة الكبرى.
والمقصود هنا أن الأوروبيين لم يتسامحوا في شأن النساء نتيجة لنهضتهم المدنية، وإنما ساروا - في هذه القضية - على نهج من قبلهم، وأقروه بالعمل عليه، وتأليف القصص التمثيلية وغيرها.
أما حرية المرأة فليست مرتبطة بهتك النساء، وسقوط عفافهن، فقد توجد حرية النساء مع تمام العفاف، وقد توجد عبودية النساء مع غاية التهتك.
ونحن وجدنا آباءنا الأولين الذين سادوا العالم علما وأخلاقا وحضارة ورقيا، وكنا لهم نحن شر خلف لخير سلف، فقد كانوا في قضية النساء على صراط مستقيم، فكانت المرأة عندهم عضوا حيا نشيطا تشاركهم في العلم والعمل في البيت وفي المزرعة وفي ميدان القتال، عليها حجاب يحفظ شرفها ومكانتها، ولا يمنعها من أخذ حقها إذا ظلمت، ولا من مشاركة الرجال في الأعمال السلمية والحربية عند الحاجة، ولذلك أدرك أسلافنا من المدنية أعلاها ومن الرقي ذروته رجالا ونساء، ولم يمنع أدب القرآن المرأة من الرقي، بل هو الذي أوصلها إلى أسناه مصونة العرض والعقل والشرف.
وأما آباؤنا المتأخرون فقد انحرفوا عن الجادة في الدين والدنيا وعلومهما فلما عجزوا عن إقامة صروح العفاف والأخلاق الكريمة, وتنفيذ حدود الشرع المحمدي العظيم، لجأوا إلى الاختفاء والفرار والاختباء، فغلوا في الحجاب حتى دفنوا النساء كما قلتم، ومنعوهن من الخروج، وإذا خرجن يفرضون عليهن ستر وجوههن إلا عينا واحدة أو نصف عين، وجعلوا أصواتهن عورة، وحديثهن مع الرجال وإن كانوا صالحين، وبحضرة محارمهن أو أزواجهن وقاحة، وزادوا على ذلك فقال بعضهم بمنعهن من القراءة والكتابة, فضاعت بذلك حقوقهن التي أعطاهن الشرع المحمدي كالميراث والبيع والشراء والشهادة والوكالة وسائر التصرفات, وصرن بالأموات أشبه منهن بالأحياء، بل تعدى الأمر إلى أن جرت العادة بدس البكر في ظلمات الخدور وحجبها حتى عن النساء، فلا تراها أعين والديها وإخوتها، وبطلت بذلك السنة المحمدية التي قال فيها الرسول الكريم عليه السلام: "إذا أراد أحدكم أن يتزوج امرأة فلينظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينهما" أي فإن ذلك أجدر أن يوقع بينهما الاتفاق إذا رأى كل منهما الآخر في غير ريبة ولا خلوة.
والجرائم التي وقعت بالغلو في الحجاب (على غير وجهه الشرعي) كثيرة ومشاهدة، وبذلك صارت حوادث التزوير تقع في الزواج فتكون عند الرجل ابنتان مثلا إحداهما جميلة والأخرى دميمة، فإذا جاء خاطب لا يعرفهما ولا تعرفهما العجوز التي تنوب عنه في الخطبة، وكانت الجميلة اسمها ليلى والدميمة اسمها دعد يوهمونها أن الدميمة هي الجميلة ويغالطونها فتقع الكارثة على رأس الرجل المسكين ويذهب ماله ضائعا.[/align]
يتبع .....
بقلم الدُكتُور مجدد المغرب تقيِّ الدِّين الهلاليِ -رحمه الله تعالى-
المدرس بكلية الدعوة وأصول الدين - بالجامعة الإسلامية - [/align]
[align=justify]نحمد الله تعالى ونصلي ونسلم على محمد رسوله وعلى آله وصحبه. في هذه المسألة اليوم ثلاثة مذاهب متباينة:
المذهب الأول:
عدم تعليمهن أكثر من قراءة المصحف بدون فهم.
قال أصحاب هذا المذهب: إنه أحسن المذاهب وأولاها بالصواب، وهو الذي وجدنا عليه آباءنا وهم كانوا أحسن منا، وتعليم النساء يفسد أخلاقهن، فإن المرأة التي لا تقرأ ولا تكتب تكون بعيدة عن متناول شياطين الإنس، فإن القلم كما لا يخفى أحد اللسانين، فبعدم معرفتها للقراءة والكتابة تأمن شر هذا اللسان وبضرب الحجاب المتين عليها تأمن شر اللسان الثاني، فيتم لها الأمن.
وكم رأينا من متعلمات لم يأتهن الشر إلا من قبل تعلمهن، وهذا في زمان الإسلام والعفاف والأنفة العربية، وأما في هذا الزمان فقد بلغ السيل الزبى، واتسع الخرق على الراقع. فإن معرفة الفتاة للقراءة توصل إلى ذهنها جميع ما يقع في الدنيا من الفساد والمخادنة وتملأ فكرها بهواجس خبيثة كانت في عافية منها.
وفي الحديث: "لا تسكنوهن الغرف ولا تعلموهن الكتابة، وعلموهن المغزل وسورة النور" فهذه هي التربية الصحيحة، فتعليم الكتابة ذريعة إلى المكاتبة مع الفجار, وإسكانهن الغرف ذريعة إلى التخاطب ولو بالإشارة مع الفساق, وتعليمهن المغزل فيه شغل نافع لهن بما فيه من رياضة البدن والفكر وبما يثمره الغزل من المال الذي يستعن به على معاشهن، وتعليمهن سورة النور يحملهن على العفاف، لأن فيها حد الزنا والزجر عنه، وحد القذف، وتوبيخ فاعله، وفيها حكم اللعان وما يلحق صاحبيه من العار والخزي، وفيها قصة الإفك والمرأة الظاهرة البريئة، وبيان ما أعد الله لمن يقذف المحصنات الغافلات عن الشر المؤمنات بالله من العذاب الأليم في الدنيا والآخرة، وفيها أمر الله للمؤمنين والمؤمنات بغض البصر وعدم إظهار زينتهن والنهي عن التبرج بالزينة، وهذا والله نعم الأدب للفتاة، ولو عمل الناس بهذا الحديث لصلحت حال النساء ورأى الناس من الخير والعفاف ما لم يكن لهم به عهد منذ زمان بعيد.
المذهب الثاني:
تعليمهن وتربيتهن على منهاج دعاة التفرنج, قال أصحاب هذا المذهب: نحن لا نريد أن نطيل القيل والقال، ونضيع أوقاتنا في الجدال الفراغ، هناك أمم راقية حرة سعيدة في حياتها. وهناك أمم أخرى منحطة مستعبدة شقية في حياتها، وقد نظرنا فوجدنا أن سبب سعادة تلك وشقاء هذه هو العمل والمال، لذلك عزمنا على الاقتداء بالأمم الراقية، لنكون مثلهم: نقتدي بهم في التعلم والتعليم والتربية والتفكير والزي والمعيشة ونظام الحكم وفي كل شيء. ومن ذلك تعليم المرأة وحرية المرأة ومساواتها للرجل في كل شيء ممكن بلا قيد ولا شرط. فهذا الذي نؤمن به ونعمل على تنفيذه وقولكم بدفن النساء في قبور البيوت ومنعهن من التصرف في أموالهن وشؤونهن، ومنعكم لهن حتى من التنفس في الهواء ومن رؤية طريقهن إذا دعتهن ضرورة للخروج, بل تغاليتم حتى جعلتم صورتهن عورة ونقصتم حقهن في الميراث فجعلتموه على النصف ويا ليت النصف الباقي يسلم لهن، فإنه يضيع في أغلب الأحوال، لأن لزومها الحجاب وكون أخيها أو أبيها أو ابن عمها هو الرقيب عليها يضيع عليها النصف الذي تركتم لها، لأن هذا القريب غالبا يعتدي عليها فيأكل مالها, والحجاب يمنعها من المطالبة بحقها فتحرم من كل شيء وتبقى في ظلمات سجنها تشكو إلى ربها ظلم الرجال وجورهم.
ولا يقف الأمر عند ذلك، بل يحرم العالم من نصفه، سواء قلنا كما يقول الأوروبيون إن هذا النصف هو الأفضل، أو قلنا إنه مساو، وكيف تحيا أمة نصفها ميت تماما ونصفها الآخر أشل بسبب الجهل والانحطاط, والرقي لا يتجزأ، فإما أن يعم الآباء والأمهات والأبناء، وإما أن يكون الجميع منحطين، وهل سمعت بأمة رجالها مهذبون متمدنون ونساؤها في غاية الجهل والتوحش والبعد عن الحياة؟.
ولماذا لا تصير المرأة حاكمة وملكة ورئيسة ومحامية ونائبة في مجلس النواب, وعينا في مجلس الأعيان؟، أليس سبيل ذلك كله هو العقل والخلق وقوة الذهن وحسن التدبير؟ وهل تتجرءون أن تدّعوا أن المرأة محرومة من العقل والتفكير لا تصلح لشيء إلا للنتاج كالفرس والبقرة؟ إذن لقد نزلتم بأمهاتكم إلى أسفل سافلين.
ولعمري أن مثل هذه الأفكار جديرة أن تحط الأمم من عليائها, وتسبغ عليها ثوب الخمول بل وتقبرها في رمس الهمجية.
كم من ملايين من النساء شاركت في الحرب العالمية الأخيرة؟ وعلى مذهبكم هذا البائس لا توجد امرأة واحدة من بين النساء المقبورات في سجن البيوت تقدر أن تضرب بسهم في الدفاع عن الوطن.
وأما ما تشاغبون به من العفاف، فهو عادة والعادات دائما عرضة للتغير وإن كان أمس من الأمور التي تلحظ بعين الاعتبار فهو اليوم من الأمور التي تدعو إلى السخرية، وقد رأينا عظماء الرجال في البلاد السعيدة ذات السيادة المطلقة وفيهم الفلاسفة والعلماء والأمراء والوزراء لا يعبئون بهذه الأمور ولا يحسبون لها حسابا وقد استقر عندهم أن الفتاة إذا بلغت سبع عشرة سنة فقد صارت حرة في نفسها تصنع ما تشاء وتخالط من تحب وتسافر وحدها ليلا ونهارا، ونحن نقتدي بهذه الأمم ونترسم خطاها في جميع الشؤون.
المذهب الثالث:
متوسط بين المذهبين السابقين قد أخذ خير كل منهما وصوابه، وترك شره وخطأه، وذلك أن تعلم المرأة تعليما يناسب ما خلقت له أولا وهو تدبير المنزل وملؤه سعادة ونظاما وجعله منبتا صالحا للبنين والبنات الأبرار. وثانيا لتكون عونا للرجل في جميع شؤونه المعاشية والحربية والخلقية.
قال أصحاب هذا المذهب: إن أهل المذهب الأول مفْرطون، وأصحاب المذهب الثاني مفرّطون، ونحن نرد عليهم جميعا، ونبين ما عندهم من الخطأ، بادئين بأهل المذهب الأول فنقول:
إن منعكم المرأة من التعلم أو حصره في قراءة حروف المصحف دون فهم لمعنى ما تقرؤه منه، في غاية البعد عن الصواب، فلا هو إسلامي، ولا هو عقلي أو علمي محض، وإن زعمتم أنه موافق للإسلام وذهبتم في ذلك كل مذهب، حتى احتججتم بحديث واه ساقط لا تقوم به حجة عند أصحاب الحديث، هذا من جهة الرواية، وأما من جهة المعنى فهو باطل، فإن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن يقرأن، ويكتبن، وغيرهن من الصحابيات، والتابعيات، والحافظات المحدثات، اللاتي روى عنهن الحفاظ.. حتى إن كتب أسماء الرجال: كتهذيب التهذيب، والميزان، ولسان الميزان، والخلاصة، وقبلها طبقات ابن سعد وغير ذلك كلها مشحونة بأسماء عالمات وفقيهات وأديبات, ذلك في زمان عظمة الإسلام حين كانت راياته منصورة وجيوش أعدائه مكسورة مدحورة.
وأما آباؤكم المتأخرون الذين تريدون أن تقتدوا بهم في تجهيل النساء، فلم يكونوا قط أهلا للاقتداء بهم، فإن زمانهم هو زمان الجاهلية الآخرة، وكل الذي يقاسيه الإسلام اليوم فهو نتيجة أعمالهم، ومع ذلك لا نسلم لكم أن أهل العلم من آبائكم كانوا يقولون بهذا القول المرذول، وكيف وقد كان في زمانهم عالمات أديبات، وإن كن قليلات، فلم ينقطع الخير عنهن بالمرة.
وأما قولكم: إن القلم أحد اللسانين، وإن المرأة لجهلها بهذا اللسان وضرب الحجاب الشديد تأمن شر اللسانين، فقد أخطأتم في ذلك خطأ فاحشا. ألم تعلموا أن الفتاة التي ساءت تربيتها لا يمكن صيانتها ولو جعلت في حق وكانت صماء بكماء، والفتاة التي ربيت على العفاف والتحصن لا يصل إليها سوء ولو كانت بين الرجال في غير ريبة، وقد كانت النساء يرافقن رجالهن في الغزوات، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصحب معه نساءه في الغزو والحج، وكانت نساء الصحابة غير قابعات في بيوتهن بل يخرجن لأشغالهن إن كانت، ويعلفن الخيل، ويكدحن في أموالهن، وكان النساء يغزون بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك مسطور في كتب الحديث لا نطيل بذكره، فلم يضرهن ذلك لقوة إيمانهن وكمال عفافهن.
والحاصل أن تعلم الكتابة والقراءة لا يصير المرأة فاسدة ولا صالحة وحده، فإن كانت صالحة فإن تعلمها الكتابة والقراءة يزيدها سلاحا, وإن كانت تربيتها فاسدة فبتعلمها تزداد فسادا؛ لأن العلم بالقراءة والكتابة آلة صالحة للاستعمال في الخير والشر معا.
وأما تعليم سورة النور فهو من أعظم ما أدب الله به المسلمات، وهو كنز عظيم، وذخر جسيم، ولكن ينبغي للفتاة أن لا تهجر غير هذه السورة من القرآن، وسبيل تعليم القرآن هو القراءة، والقراءة لا تنفع إلا بمعرفة المعنى، ومعرفة المعنى لا يمكن إلا بتعلم النحو والصرف واللغة، ولا بد لمن تتعلمه من القراءة والكتابة وأنتم منعتم ذلك, فهذا تناقض منكم وأنتم لا تشعرون.
يصـيب وما يدري ويخطي وما درى (*****) وكيف يكون النـوك إلا كذلكا
وأما تعليم المغزل فهو حسن، ولكن أهم منه في المدن على الأقل تدبير المنزل وتدبير الصحة والتمريض وما أشبه ذلك.
وأما قولكم إن الفتاة في هذا الزمان إذا كانت قارئة تصل إلى ذهنها أنواع الشر بقراءة صحف الخلاعة ومجلاتها، فهو صحيح! ولكن الجاهلة أيضا يصل إليها ذلك بالذهاب إلى السينما ولو خلسة في غيبة الرقيب وتصل إليها بطريق الراديو، ويصل إليها بطريق زائراتها ومحدثاتها، وإذا فسد الجو لم تنفع المعتزل عزلته.
فلو أنكم انتقدتم منهاج تعليم الفتاة وطالبتم بإصلاحه وإبداله بمنهاج كامل يضمن للفتاة التربية الصحيحة بدل إنكاركم للتعليم مرة لكان ذلكم أقرب إلى الصواب.
أما أهل المذهب المقابل فقد أفرطوا وتجازوا الحدود وضلوا ضلالا بعيدا ولا بد أن نناقشهم الحساب، ونبين ما في حملتهم من الحجج الواهية الداحضة، التي هي أوهن من بيت العنكبوت فنقول لهم: أما قولكم إن أمم العالم قسمان: أمم راقية سعيدة، وأخرى منحطة شقية فهو حق، وأما قولكم إن سعادة أولئك السعداء جاءتهم من أعمالهم وأحوالهم فهو صحيح أيضا، ولكنه مجمل يحتاج إلى تفصيل وبيان، وفي إجماله أمكنكم أن تدخلوا ما أدخلتموه من المغالطة، وبيان ذلك أولا أن الأمم الأوروبية تختلف اختلافا كثيرا يكفر من أجله بعضهم بعضا, حتى أن الكاثوليكي لا يقدر أن يتزوج بامرأة بروتستانتية، وإن تجرأ على ذلك عوقب من قبل الكنيسة بالحرمان وهو مصيبة اجتماعية عظيمة. ويختلفون في مناهج الحكم، حتى يفضي بهم ذلك أن يفني بعضهم بعضا بلا إبقاء ولا رحمة، ويختلفون في شؤون النساء فمنهم من يرى وجوب مراقبة الفتاة والمحافظة التامة عليها ومنهم من يطلق لها العنان بعد بلوغها سن الرشد القانوني، ومنهم من يجيز البغاء الرسمي كالأمم اللاتينية لحصر الفساد في أماكن محدودة حسبما ظهر لهم، وهؤلاء يعاملون البغيات بشيء من الرحمة. ومنهم من يحرم البغاء الرسمي كالأمم الجرمانية والأمة البريطانية، وهؤلاء يعاملون البغيات بكل قسوة حتى إنهم ليجعلونهن طبقة منبوذة مستقذرة كالذباب، فلا يمكن البغي أن تتصل بأحد من النساء والرجال ذوي الشرف والمروءة, فهم عندهم كما قال الشاعر:
لتقعدن مقعد القصي (*****) مني ذي القاذورة المقلي
ثم إن هذا التساهل في العرض الموجود عند الأوروبيين لم يكن ناتجا عن المدنية والرقي، بل لا علاقة له بهما أصلا، وإنما هي عادة ورثوها عن آبائهم في زمان جهلهم وهمجيتهم، كما يشهد ذلك تاريخهم، وكذلك بعض الأمم المجاورة للبحر الأبيض المتوسط من غير الأوروبيين، وهي قبائل البربر الذين ليس عندهم من الإسلام إلا اسمه، كآبن مكيلد، وآيت سخمان، واشقيرن، وآيت اسحاق، وآيت هودى وغيرهم، وهذه القبائل في الألوان وبرودة الدم مثل أهل شمالي أوروبة، والغيرة عندهم معدومة، حتى إني رأيتهم إذا وجد أحدهم مع زوجته رجلا يطلق رصاصة في الهواء، لا ليصيب أحدهما بأذى، بل ليعلن الأمر، فيجتمع الناس من كل حدب ينسلون، فيقول لهم الرجل: اشهدوا على فلان فقد وجده مع زوجته، فيقولون: سنشهد لك بما رأينا، فإذا اجتمع ملؤهم في الحي يدعو الزوج ذلك الرجل إلى المحاكمة، فيأتي ويحضر أمام شيوخهم، فيتهمه، ويحضر الشهود، فيشهدون، ومع ذلك كله يجحد المتهم ويقول: إنه لم يفعل شيئا، فيحملون عليه طبقا للعرف أن يدفع إلى الزوج ستة أريلة وكبشا، فيمعن المتهم في الإنكار والامتناع من أداء الغرامة، فيهم الزوج بقتله، فعند ذلك يجري الناس في الصلح بينهما، فيترك الزوج إحدى الغرامتين، إما الكبش وإما ستة أريلة.
وما لنا نذهب بعيدا، فقد جاء في صحيح البخاري أن رجلا كان عنده غلام عسيف أي أجير، فزنى هذا الغلام بامرأة مخدومه، فسأل الرجل بعض الناس ممن ظن أن عندهم علما، فأفتوه أن على الغلام أن يدفع لزوج المرأة مائة شاة، فدفعها أبوه عنه, ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بالقصة، فخطأهم النبي صلى الله عليه وسلم في حكمهم وقال: "أما الغنم فهي رد على أبي الأجير وأما الأجير فعليه جلد مائة وتغريب عام", وأما المرأة فبعث إليها النبي صلى الله عليه وسلم رجلا اسمه أنيس وقال: "أغد عليها فإن اعترفت فارجمها".
فأنت ترى أن مثل هذا الحكم البربري وجد في العرب في زمان النبي صلى الله عليه وسلم، والبشر هم البشر لا يمتاز شعب عن شعب إلا بأخلاق الأنبياء وعلوم المدنية، فمن جمع بين هذين جمع السعادة الكبرى.
والمقصود هنا أن الأوروبيين لم يتسامحوا في شأن النساء نتيجة لنهضتهم المدنية، وإنما ساروا - في هذه القضية - على نهج من قبلهم، وأقروه بالعمل عليه، وتأليف القصص التمثيلية وغيرها.
أما حرية المرأة فليست مرتبطة بهتك النساء، وسقوط عفافهن، فقد توجد حرية النساء مع تمام العفاف، وقد توجد عبودية النساء مع غاية التهتك.
ونحن وجدنا آباءنا الأولين الذين سادوا العالم علما وأخلاقا وحضارة ورقيا، وكنا لهم نحن شر خلف لخير سلف، فقد كانوا في قضية النساء على صراط مستقيم، فكانت المرأة عندهم عضوا حيا نشيطا تشاركهم في العلم والعمل في البيت وفي المزرعة وفي ميدان القتال، عليها حجاب يحفظ شرفها ومكانتها، ولا يمنعها من أخذ حقها إذا ظلمت، ولا من مشاركة الرجال في الأعمال السلمية والحربية عند الحاجة، ولذلك أدرك أسلافنا من المدنية أعلاها ومن الرقي ذروته رجالا ونساء، ولم يمنع أدب القرآن المرأة من الرقي، بل هو الذي أوصلها إلى أسناه مصونة العرض والعقل والشرف.
وأما آباؤنا المتأخرون فقد انحرفوا عن الجادة في الدين والدنيا وعلومهما فلما عجزوا عن إقامة صروح العفاف والأخلاق الكريمة, وتنفيذ حدود الشرع المحمدي العظيم، لجأوا إلى الاختفاء والفرار والاختباء، فغلوا في الحجاب حتى دفنوا النساء كما قلتم، ومنعوهن من الخروج، وإذا خرجن يفرضون عليهن ستر وجوههن إلا عينا واحدة أو نصف عين، وجعلوا أصواتهن عورة، وحديثهن مع الرجال وإن كانوا صالحين، وبحضرة محارمهن أو أزواجهن وقاحة، وزادوا على ذلك فقال بعضهم بمنعهن من القراءة والكتابة, فضاعت بذلك حقوقهن التي أعطاهن الشرع المحمدي كالميراث والبيع والشراء والشهادة والوكالة وسائر التصرفات, وصرن بالأموات أشبه منهن بالأحياء، بل تعدى الأمر إلى أن جرت العادة بدس البكر في ظلمات الخدور وحجبها حتى عن النساء، فلا تراها أعين والديها وإخوتها، وبطلت بذلك السنة المحمدية التي قال فيها الرسول الكريم عليه السلام: "إذا أراد أحدكم أن يتزوج امرأة فلينظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينهما" أي فإن ذلك أجدر أن يوقع بينهما الاتفاق إذا رأى كل منهما الآخر في غير ريبة ولا خلوة.
والجرائم التي وقعت بالغلو في الحجاب (على غير وجهه الشرعي) كثيرة ومشاهدة، وبذلك صارت حوادث التزوير تقع في الزواج فتكون عند الرجل ابنتان مثلا إحداهما جميلة والأخرى دميمة، فإذا جاء خاطب لا يعرفهما ولا تعرفهما العجوز التي تنوب عنه في الخطبة، وكانت الجميلة اسمها ليلى والدميمة اسمها دعد يوهمونها أن الدميمة هي الجميلة ويغالطونها فتقع الكارثة على رأس الرجل المسكين ويذهب ماله ضائعا.[/align]
يتبع .....
- منتدى وادي الطاقة 2011 ©-
elchaouia- عضو دهبي
- عدد المساهمات : 1785
نقاط : 29201
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 05/11/2011
مواضيع مماثلة
» تمييز الذكور عن الإناث في التربية يخلق عند الفتاة شعوراَ بالاضطهاد
» النسب الهلالي
» انتحال النسب الهلالي و السليمي
» النسب الهلالي
» انتحال النسب الهلالي و السليمي
Oued Taga - وادي الطاقة :: منتدى الأسرة و المجتمع :: منتدى المجتمع :: قسم تربية الابناء وما يخص الطفل المسلم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى