بحـث
مواضيع مماثلة
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 37 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 37 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 624 بتاريخ الخميس نوفمبر 07, 2024 4:07 pm
التسجيل السريع
// Visit our site at http://java.bdr130.net/ for more code
12>قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان
صفحة 1 من اصل 1
قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان
بسم الله الرحمن الرحيم
( قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان ) تأليف / القلقشندي رحمه الله
ذكر المؤلف في هذا الكتاب طرف من أنساب الأمم ليتم , وأوصلا نسب كل أمة منها بعمود النسب المحمدي ليعلم اتصال الأمم بعضها ببعض؛ ذاكراً كل قبيلة وما فوقها من الشعوب، وما يتفرع منها من العمائر والبطون والأفخاذ على اختلاف الأصناف والضروب؛ ذاكراً مقر كل قبيلة منها في القديم والحديث، مستنداً في ذلك إلى ما تضمنته كتب الأنساب والتاريخ وكتب أسماء رجال الحديث؛ مورداً في خلال كل قبيلة من كان منها من صحابي مذكور، أو شاعر مجيد أو فارس مشهور؛ وقد رتبته على مقدمة ومقصد وخاتمة .
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل للعرب بالنسب المحمدي منتمى تنعقد على فضله الخناصر، وأيد عزهم بأعز مليك، وأعز جانبهم بأعز ناصر، وخصهم من كثرة القبائل بما يقفون عده العاد، ويعترف بالعجز عن حصره الحاصر، وأنالهم من الشرف الباذخ ما لا تمتد إليه يد أحد من الأمم، فكل مدع عن بلوغ درجته قاصر.
أحمده على أن رفع عماد بيت النسب البارزي وأعلى درجه، ومدّ أطناب ممادحه في الآفاق وأطاب بالذكر الجميل أرجه؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يشيع في القبائل ذكرها، ويضوع في كل نادٍ من أندية الأحياء نشرها؛ وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله أفضل نبي زكا أصلاً وطاب أرومة، وأكرم رسول شرُف عنصراً وكرم جرثومة؛ صلى الله على آله وصحبه الذين سموا بانتسابهم إلى شريف نسبه، ودخلوا في زمرته الفاخرة فاندرجت أحسابهم في كريم حسبه.
وبعد، فلما كان العلم بقبائل العرب من لازم كتابة الإنشاء الذي أُهمل جانبه، وسكن لقلة معانيه بعد الحركة ضاربه، ورُفض تداوله حتى قل مُعانيه وعز طالبه؛ وكان كتابي المسمى "نهاية الأرب، في معرفة قبائل العرب" قد احتوى من ذكر القبائل على الجم الغفير، وطمع في الاستكثار فلم يكتف من ذكر الشعوب باليسير؛ إلا أن من القبائل المذكورة فيه ما أخنى عليها الزمان، وجهل حالها الآن في الوجود والعدم فلم تعرف لها أرض ولم يوقف لها على مكان؛ مع أن القدر الذي يحتاج كاتب الإنشاء منه إلى الأخذ بتفصيله، ويضطر إلى معرفة تفريعه وتأصيله؛ من يضمه نطاق الديار المصرية من عربان الزمان، ومن يكاتب على أبواب سلطانها أو تدعو الحاجة إلى خطابه في حين أو أوان؛ مع من يتعلق بأذيال قبائلهم ممن لم يبلغ رتبة الخطاب، أو ينتمي إليهم بمحالفة أو يعتزي إلى قبيلتهم بعلاقة سبب من الأسباب.
وكان المقر الأشرف العالي المولوي القاضوي الكبيري النظامي المدبري السفيري اليميني المشيري الأصيلي العريقي الكفيلي الناصري:نظام الملك نجي السلطنة، لسان المملكة، مالك زمام الأدب، جامع أشتات الفضائل أبو المعالي محمد الجهني البارزي الشافعي المؤيدي، صاحب دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية، جمل الله الوجود ببقائه، وأدام علوه ولا رتبة في الرياسة فوق رتبته فتعالى نسباً وزاد في ارتقائه، قد أُلقي إليه من الممالك الإسلامية مقاليدها، ودانت لسورة كتبه الأقطار المتقاصية قريبها وبعيدها؛ وصُرفت بتصاريف أقلامه أمور الدولة فجرت بها على السداد، ونفذت بتنفيذه أمورها فأربت مقاصدها والحمد لله على المراد.
وإن أُمور الملك أَضحى مَـدارهـا عليه كما دارت على قُطبها الرحَى
وكنت ممن عمه فضله، وغمره غيثه الهامع ووبله؛ وولج حماه المنيع فاحتمى، ونزل بساحة بابه العالي فبات منه في أعز حمى، ما أمتني بائقة احتياج إلا قمعها، ولا عرتني كارثة احتياج إلا ردعها ؛ ولا سامني الدهر ضيماً إلا كبحه، ولا أغلق عني الزمان باب خير إلا فتحه؛ ولا تربت يدي إلا أغناها، ولا قصدت أدنى رتبة إلا بلغ بي أعياها: ولا استعنت بجاهه من حرّ ضنك إلا كان لي خير مقيل، ولا لُذت بجنابه من هجير ضر إلا أويت منه إلى ظل ظليل:
بِتْ جاره فالعيشُ تحت ظلاله واسْتَسقه فالبحرُ من أنـوائه
وكانت خزانته العالية عمرها الله تعالى بدوام أيامه، وأراه من محاسن جمعها في اليقظة ما يمتنع أن يراه القاضي الفاضل في منامه؛ قد سعدت بإسعاد جدوده، وخصت من نفائس التأليف بكل نفيس لا سيما مصنفات آبائه وجدوده؛ مع اشتماله من شريف النسب على الصفقة الرابحة، وتمسكه من الانتساب إلى العرب العاربة من بني قحطان بالكفة الراجحة:
مَعالٍ تمادت في العُلّو كأنـمـا تُحاول ثأراً عند بعض الكواكبِ
أحببت أن أخدم جانب علاها بمختصر من ذكر قبائل العرب المنتظم في سلك الزمان الآن وجودهم، والمحيطة بعنق الآفاق في هذا العصر عقودهم؛ مُصدِّراً له بذكر طرف من أنساب الأمم ليتم بذلك منه الغرض، واصلاً نسب كل أمة منها بعمود النسب المحمدي ليعلم اتصال الأمم بعضها ببعض؛ ذاكراً كل قبيلة وما فوقها من الشعوب، وما يتفرع منها من العمائر والبطون والأفخاذ على اختلاف الأصناف والضروب؛ ذاكراً مقر كل قبيلة منها في القديم والحديث، مستنداً في ذلك إلى ما تضمنته كتب الأنساب والتاريخ وكتب أسماء رجال الحديث؛ مورداً في خلال كل قبيلة من كان منها من صحابي مذكور، أو شاعر مجيد أو فارس مشهور؛ ليكون بانتسابه إليه كالغرة في وجه كتبه، ويدخر بخزانته السعيدة ليكون كلمة باقية في عقبه؛ على أني في ذلك كنافل التمر إلى هجر، وممد البحر ببلالة القطر ورشح الحجر؛ إذ كان المقر المشار إليه- خلد الله تعالى أيامه- في معرفة الأنساب هو واسطة عقدها الثمين، وجهينة أخبارها وعبد جهينة الخبر اليقين؛ وسميته: "قلائد الجمان، في التعريف بقبائل عرب الزمان" والله تعالى يقرنه بالتوفيق في جمع مقاصده، ويورده موارد القبول في بدو الأمر وعائده. وقد رتبته على مقدمة ومقصد وخاتمة.
1- المقدمة في ذكر أمور يُحتاج إليها في علم الأنساب، ومعرفة القبائل وفيها خمسة فصول: الفصل الأول: في فضل علم الأنساب ومسيس الحاجة إليه.
الفصل الثاني: في بيان من يقع عليه اسم العرب، وذكر أنواعهم وما ينخرط في سلك ذلك.
الفصل الثالث: في معرفة طبقات الأنساب، وما يلتحق بذلك.
الفصل الرابع: في ذكر مساكن العرب القديمة التي منها درجوا إلى سائر الأقطار.
الفصل الخامس: في ذكر أمور يحتاج إليها الناظر في علم الأنساب.
2- المقصد في معرفة تفاصيل أنساب القبائل وفيه فصلان: الفصل الأول: في ذكر عمود النسب النبوي، على صاحبه أفضل الصلاة والسلام، وما يتفرع عنه من الأنساب.
الفصل الثاني: في ذكر تفاصيل القبائل، وما يتيسر ذكره من مساكنهم الآن.
الخاتمة في ذكر نبذة من أوصاف المقر الأشرف الناصري المؤلف له هذا الكتاب، ومناقبه، ونُبذة من سيرته الغراء.
المقدمة
في ذكر أمور يحتاج إليها في علم الأنساب
ومعرفة القبائل
وفيها خمسة فصول
الفصل الأول
في فضل علم الأنساب
وفائدته ومسيس الحاجة إليه لا خفاء أن معرفة الأنساب من الأمور المطلوبة، والمعارف المندوبة؛ لما يترتب عليها من الأحكام الشرعية، والمعارف الدينية. فقد وردت الشريعة باعتبارها في مواضع: منها: العلم بنسب النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه النبي القرشي الهاشمي الذي كان بمكة وهاجر منها إلى المدينة وتوفي ودفن بها، فإنه لا بد لصحة الإيمان من معرفة ذلك، ولا يعذر مسلم في الجهل به وناهيك بذلك.
ومنها: التعارف بين الناس حتى لا يعتزي أحد إلى غير أبيه، ولا ينسب إلى سوى أجداده. وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: )يأيُها الناس إنا خلقناكُم من ذَكر وأُنثى وجعلناكم شُعوباً وقبائل لتعارفوا(. ولولا معرفة الأنساب لفات إدراك ذلك وتعذر الوصول إليه.
ومنها: اعتبار النسب في الإمامة التي هي الزعامة العظمى. فقد حكى الماوردي في الأحكام السلطانية الإجماع على كون الإمام قرشياً، ثم قال: ولا اعتبار بضرار حيث. فجوزها في جميع الناس. فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: الأئمة من قريش. قال أصحابنا الشافعية: فإن لم يوجد قرشي اعتبر كون الإمام كنانياً من بني كنانة من خُزيمة، فإن تعذر اعتبر كونه من بني إسماعيل عليه السلام، فإن تعذر اعتبر كونه من بني إسحاق عليه السلام، فإن تعذر اعتبر كونه من جرهم، لشرفهم بصهارة إسماعيل عليه السلام، بل قد نصوا أن الهاشمي أولى بالإمامة من غيره من قريش.
فلولا المعرفة بعلم النسب لفات وتعذر حكم الإمامة العظمى التي بها عموم صلاح الأمة، وحماية البيضة، وكف الفتنة، وغير ذلك من المصالح.
ومنها: اعتبار النسب في كفاءة الزوج للزوجة عند الشافعي رضي الله عنه، حتى لا يكافئ الهاشمية والمطّلبية غيرها من قريش، ولا يكافئ القرشية غيرها من العرب ممن ليس بقرشي، ولا يكافئ الكنانية غيرها من العرب ممن ليس بكناني ولا قرشي على الأصح.
وفي اعتبار النسب في العجمي أيضاً وجهان: أصحهما الاعتبار. فإذا لم يعرف النسب تعذرت هذه الأحكام.
منها: مراعاة النسب الشريف في المرأة المنكوحة، فقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تنكح المرأة لأربع: لدينها، وحسبها، ومالها، وجمالها" فراعى صلى الله عليه وسلم في المرأة الحسب، وهو شرف الآباء.
ومنها: جريان الرق على العرب في أحد قولي الشافعي رضي الله عنه وموافقيه، فإذا لم يعرف النسب تعذر ذلك، إلى غير ذلك من الأحكام الجارية هذا المجرى.
ثم ليعلم أنه قد ذهب كثير من أئمة المحدثين والفقهاء، كالبخاري، إلى جواز الرفع في الأنساب احتجاجاً بعمل السلف، فقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه في علم الأنساب في المقام الأرفع والجانب الأعلى، وذلك أذل دليل وأعظم شاهد على شرف هذا العلم وجلالة قدره.
وقد حكى صاحب الريحان والريعان عن أبي سليمان الخطابي رحمه الله قال: كان أبو بكر رضي الله عنه نسّابة فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فوقف على قوم من ريبعة فقال: ممن القوم? قالوا: من ربيعة، قال: وأي ربيعة أنتم، أمن هامتها أم من لهازمها? قالوا: بل من هامتها العظمى. قال أبو بكر: ومن أيها? قالوا من ذُهل الأكبر. قال أبو بكر: فمنكم عوف بن مُحلِّم الذي يقال له: لا حُرّ بوادي عوف? قالوا: لا. قال: فمنكم بِسطام بن قيس أبو القِرَى ومنتهى الأحياء? قالوا: لا، قال: فمنكم اَلْحوفزان قاتل الملوك وسالبها أَنْعُمها? قالوا: لا. قال: فمنكم المزدلف الحرّ صاحب العمامة الفردة? قالوا: لا. قال: فمنكم أخوال الملوك من كِندة? قالوا: لا. قال: فمنكم أصهار الملوك من لَخم? قالوا: لا. قال: فلستم بذُهل الأكبر بل ذهل الأصغر. فقام إليه غلام من شيبان يقال له: دِغْفَل حين بَقَل وجهه فقال: إن على سائلنا أن نسأله: يا هذا إنك قد سألت فأخبرناك ولم نكتمك شيئاً من خبرنا، فمن الرجل? قال أبو بكر: أنا من قريش. قال: بخٍ بخٍ أهل الشرف والرياسة، فمن أي القرشيين أنت? قال: من تَيم بن مُرة. قال الفتى: أمكنت والله الرامي من سواء الثُّغرة، فمنكم قُصي الذي جمع القبائل من فِهر وكان يُدعى مُجمعاً? قال: لا. قال: فمنكم هاشم الذي هشم الثريد لقومه? قال: لا. قال: فمنكم شيبة الحمد مطعم طير السماء? قال: لا. قال: فمن المفيضين بالناس أنت? قال: لا. قال: فمن أهل الندوة أنت? قال: لا. قال: فمن أهل السقاية أنت? قال: لا. قال: فمن أهل الرفادة أنت? قال: لا. قال: فمن أهل الحجابة أنت? قال: لا. واجتذب أبو بكر رضي الله عنه زمام ناقته، فقال الفتى:
صادف دَرُّ السيل درّاً يدفعه يَهيضه حيناً وحيناً يصدعُهْ
أما والله يا أخا قريش لو لبثت لأخبرتك أنك من رعيان قريش ولست من الذوائب. فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فتبسم. فقال عليّ رضي الله عنه: يا أبا بكر، لقد وقعت من الغلام الأعرابي على باقعه. فقال: يا أبا الحسن، ما من طامة إلا وفوقها طامة.
ودِغْفل هذا هو دغفل ابن حنطلة النسابة الذي يُضرب به المثل في معرفة النسب، قدم مرة على معاوية بن أبي سفيان في خلافته فاختبره فوجده رجلاً عالماً، فقال: بِم نلت هذا يا دغفل? قال: بقلب عَقول، ولسان سؤول، وآفة العلم النسيان.
وممن اشتهر بمعرفة الأنساب أيضاً ابن الكيّس، من بني عوف بن سعد ابن ثعلب بن وائل وفيهما يقول مسكين بن عامر:
فحكِّم دِغْفلاً وارحـل إلـيه ولا تَدِع المعطيَّ من الكَلالِ
أو ابن الكيِّس النَّمـري زيداً ولو أمسى بمُنخرق الشمال
وقد صنف في علم الأنساب جماعة من جلة العلماء وأعيانهم، كأبي عبيد القاسم ابن سلام، والبيهقي، وابن عبد البر، وابن حزم، وغيرهم؛ وذلك دليل شرفه ورفعة قدره.
الفصل الثاني
في بيان ما يقع عليه اسم العرب، وذكر أنواعهم
وما ينخرط في سلك ذلك أما من يقع عليه اسم العرب فقد قال الجوهري في صحاحه: "العرب جيل من الناس، وهم أهل الأمصار، والأعراب سكان البادية".
والتحقيق أن اسم العرب يشمل الجميع، والأعراب نوع منهم.
قال الجوهري: "وجاء في الشعر الفصيح الأعاريب، ويقال: تعرّب العجمي، إذا تشبه بالعرب".
وقد ذكر صاحب "العِبر" أن لفظ العرب مشتق من الإعراب، وهو البيان، أخذاً من قولهم: أعرب الرجل عن حاجته، إذا أبان، سُمُّوا بذلك لأن الغالب عليهم البيان.
وتصغير العرب: عُريب، والنسبة إلى العرب: عربيّ، وإلى الأعراب: أعرابيّ، لأنه لا واحد له يُرد إليه، بخلاف مساجد، حيث ينسب إليها: مسجدي، نسبة إلى الواحد منها من حيث إن لها واحداً ترد إليه.
ثم إن كل من عدا العرب فهو عجمي، سواء الفرس أو الترك أو الروم أو غيرهم، وليس كما تتوهم العامة من اختصاص العجم بالفرس، أما الأعجم فالذي لا يفصح في الكلام وإن كان عربياً، ومنه سميّ: زياد الأعجم الشاعر، وكان عربياً.
وأما أنواع العرب فقد اتفقوا على تنويعهم أولاً على نوعين: عاربة ومستعربة.
فأما العاربة، فقال الجوهري: هم العرب الخلّص.
قال في العبر: وهم العرب الأُوَل الذين فهّمهم الله اللغة العربية ابتداء فتكلموا بها فقيل لهم: عاربة، إما بمعنى الراسخة في العروبية، كما يقال: ليل لائل، وإما بمعنى الفاعلة للعروبية والمبتدعة لها، لمّا كانوا أول من تكلم بها.
قال الجوهري: وقد يقال فيها: العرب العَرْباء.
والمستعربة: الداخلون في العروبية بعد العجمة، أخذاً من استفعل بمعنى الصيرورة، نحو استنوق الجمل، إذا صار في معنى الناقة، لما فيه من الخنوثة، واستحجر الطين، إذا صار في معنى الحجر ليُبسه.
قال الجوهري: وربما قيل لهم المتعربة.
ثم اختلف في العاربة والمستعربة، فذهب ابن إسحاق والطبري إلى أن العاربة هم: عاد، وثمود، وطَسْم، وجَديس، وأُميم، وعَبيل، والعَمالقة، وعبد ضَخْم، وجُرْهم الأولى، التي كانت في زمن عاد، ومن في معناهم.
والمستعربة: بنو قحطان بن عابر بن شالخ بن أُد بن سام بن نوح عليه السلام، لأن لغة عابر كانت عجمية، إما سريانية، وإما عبرانية، فتعلّم بنو قحطان العربية من العاربة ممن كان في زمنهم، وتعلم بنو إسماعيل العربية من جُرهم من بني قحطان حين نزلوا عليه وعلى أمه بمكة.
وذهب آخرون، منهم المؤيد صاحب حماه، إلى أن بني قحطان هم العاربة، وأن المستعربة هو بنو إسماعيل فقط.
والذي رجحه صاحب "العبر" الأول. محتجاً بأنه لم يكن في بني قحطان من زمن نوح عليه السلام إلى عابر من تكلم بالعربية، وإنما تعلموها نقلاً عمن كان قبلهم من العرب، من عاد وثمود ومعاصريهم، ممن تقدم ذكرهم.
الفصل الثالث
في معرفة طبقات الأنساب وما يلحق بذلك
قد عد أهل اللغة طبقات الأنساب ست طبقات: الطبقة الأولى: الشعب، بفتح العين، وهو النسب الأبعد، كعدنان مثلاً.
قال الجوهري: وهو أبو القبائل الذين ينسبون إليه. ويجمع على شعوب.
قال الماوردي في "الأحكام السلطانية": وسمي شعباً، لأن القبائل تتشعب منه.
وذكر الزمخشري في "كشافه" نحوه.
الطبقة الثانية: القبيلة، وهي ما انقسم فيه الشعب كربيعة ومُضر.
قال الماورديّ: وسميت القبيلة لتقابل الأنساب فيها. وتجمع القبيلة على قبائل وربما سميت القبائل: جماجم أيضاً، كما يقتضيه كلام الجوهري حيث قال: وجماجم العرب هي القبائل التي تجمع البطون.
الطبقة الثالثة: العِمارة، بكسر العين المهملة، وهي ما انقسم فيه أنساب القبيلة، كقريش وكنانة. وتجمع: على عمارات، وعمائر.
الطبقة الرابعة: البطن، وهي ما انقسم فيه أقسام العمارة، كبني عبد مناف، وبني مخزوم. ويجمع: على بطون، وأبطن.
الطبقة الخامسة: الفخذ، وهي ما انقسم فيه أقسام البطن، كبني هاشم، وبني أمية، وتجمع على: أفخاذ.
الطبقة السادسة: الفصيلة، بالصاد المهملة. وهي ما انقسم فيه أقسام الفخذ، كبني العباس.
هكذا رتّبها الماوردي في "الأحكام السلطانية"، ومثّل بما تقدم. وعلى نحو ذلك جرى الزمخشري في تفسيره في الكلام على قوله تعالى: )وجعلناكم شُعوباً وقبائل( إلا أنه مثل للشعب بخزيمة، وللقبيلة بكنانة، وللعمارة بقريش، وللبطن بقُصي، وللفخذ بهاشم، وللفصيلة بالعباس.
وبالجملة فالفخذ يجمع الفصائل، والبطن يجمع الأفخاذ، والعمارة يجمع البطون، والقبيلة تجمع العمائر، والشعب يجمع القبائل.
قال النووي في "تحرير التنبيه": وزاد بعضهم "العشيرة" قبل "الفصيلة".
قال الجوهري: وعشيرة الرجل: رهطه الأدنون.
حكى أبو عبيد عن ابن الكلبي عن أبيه تقديم الشعب، ثم القبيلة، ثم الفصيلة، ثم العمارة، ثم الفخذ. وعليه جرى الجوهري في مادة "فخذ".
واعلم أن أكثر ما يدولا على الألسنة من الطبقات الستة المتقدمة: القبيلة ثم البطن، وقلّ ما تذكر العمارة والفخذ والفصيلة، وربما عُبر عن كل واحد من الطبقات الست بالحي، إما على العموم، مثل أن يقال: حيّ من العرب، وإما على الخصوص، مثل أن يقال: حيّ بني فلان.
الفصل الرابع
في ذكر مساكن العرب القديمة
التي منها درجوا إلى سائر الأقطار اعلم أن مساكن العرب في ابتداء الأمر كانت بجزيرة العرب الواقعة في أواسط المعمور وأعدل أماكنه وأفضل بقاعه، حيث الكعبة الحرام وتربة أشرف الخلق نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وما حول ذلك من الأماكن.
وهذه الجزيرة متسعة الأرجاء ممتدة الأطراف يحيط بها من جهة الغرب بعض بادية الشام حيث البلقاء، إلى أيلة، ثم بحر القلزم الآخذ من أيلة حيث العقبة الموجودة بطريق حجاج مصر إلى الحجاز إلى أطراف اليمن، حيث طيّ وزبيد وما داناهما.
ومن جهة الجنوب بحر الهند المتصل به بحر القُلزم المقدم ذكره، من جهة الجنوب إلى عدن إلى أطراف اليمن حيث بلاد مهرة، من ظفار وما حولها.
ومن جهة الشرق بحر فارس الخارج من بحر الهند إلى جهة الشمال إلى بلاد البحرين، ثم إلى أطراف البصرة، ثم إلى الكوفة من بلاد العراق.
ومن جهة الشمال الفرات آخذاً من الكوفة على حدود العراق إلى عانة، إلى بالس من بلاد الجزيرة الفراتية، إلى البلقاء من برية الشام، حيث وقع الابتداء.
ودور هذه الجزيرة، فيما ذُكر في تقويم البلدان، سبعة أشهر وأحد عشر يوماً تقريباً بسير الأثقال، فمن البلقاء إلى الشراة ثلاثة أيام، ومن الشرا إلى أيلة نحو ثلاثة أيام، ومن أيلة إلى فرضة المدينة النبوية نحو عشرين يوماً، ومنها إلى ساحل الجُحفة إلى جُدة- فرضة مكة المشرفة- ثلاثة أيام، ومن جدة إلى عدن نحو من شهر، ومن عدن إلى سواحل مهرة نحو من شهر، ومن مهرة إلى عمّان من البحرين نحو من شهر، ومن عمان إلى هَجر- قاعدة البحرين- نحو من شهر، ومن هجر إلى عبادان من سواد العراق نحو خمسة عسر يوماً، ومن عبادان إلى البصرة نحو يومين، ومن البصرة إلى الكوفة نحو اثنتي عشر يوماً، ومن الكوفة إلى بالس نحو عشرين يوماً، ومن بالس إلى سَلَميّة نحو سبعة أيام، ومن سَلَمية إلى مشارف غوطة دمشق نحو أربعة أيام، ومن مشارف غوطة دمشق إلى مشارف حوران ثلاثة أيام، ومن مشارف حوران إلى البلقاء نحو ثلاثة أيام.
قال المدائني: وجزيرة العرب هذه تشتمل على خمسة أقسام: تهامة، ونجد، وحجاز، وعروض، ويمن.
فتهامة: هي الناحية الجنوبية من الحجاز.
ونجد: هي الناحية التي بين الحجاز و العراق.
والحجاز: هو ما بين نجد وتهامة، وهو جبل يقبل من اليمن حيث يتصل بالشام، وسمي حجازاً لحجزه بين نجد وتهامة.
والعروض: هي اليمامة إلى البحرين.
ويدخل في هذه الجزيرة قطعة من بلاد الشام، منها: تدمر، وتيماء، وتَبُوك.
واعلم أن اليمن كان هو منازل العرب العاربة من عاد، وثمود، وطَسم، وجديس، وأُميم، وجُرهم، وحضرموت، ومَن في معناهم، ثم انتقلت ثمود منهم إلى الحِجْر من أرض الشام، فكانوا به حتى هلكوا، كما ورد به القرآن الكريم.
وهلكت بقايا العاربة باليمن من عاد وغيرهم، وخلفهم فيه بنو قحطان من عابر، فعرفوا بعرب اليمن إلى الآن، وبقوا فيه إلى أن خرج منهم عمرو مزيقياء عند توقّع سيل العَرم، وكانت أرض الحجاز منازل بني عدنان إلى أن غزاهم بُخْتنصر، ونقل من نقل منهم إلى الأنبار من بلاد العراق. ولم تزل العرب بعد ذلك كله في التنقل عن جزيرة العرب والانتشار في الأقطار إلى أن كان الفتح الإسلامي، فتوغلوا في البلاد حتى وصلوا إلى بلاد الترك وما داناها، ونزلت منهم طائفة بالجزيرة الفراتية وصاروا إلى أقصى المغرب وجزيرة الأندلس وبلاد السودان، وبلغوا الآفاق وعمروا الأقطار، وصار بعض عرب اليمن إلى الحجاز فأقاموا به، وربما صار بعض عرب الحجاز إلى اليمن فأقاموا به، وبقى من بقى منهم بالحجاز واليمن على ذلك إلى الآن، ومن تفرق منهم بالأقطار منتشرون في الآفاق قد ملأوا ما بين الخافقين.
الفصل الخامس
في بيان أمور يحتاج الناظر في علم الأنساب إليها
وهي عشرة أمور: الأول- قال الماوردي: إذا تباعدت الأنساب صارت القبائل شعوباً، والعمائر قبائل، يعني: وتصير البطون عمائر، والأفخاذ بطوناً، والفصائل أفخاذاً، والحادث بعد ذلك فصائل.
الثاني- قد ذكر الجوهري: أن القبيلة هي بنو أب واحد.
وقال ابن حزم: جميع قبائل العرب راجعة إلى أب واحد سوى ثلاث قبائل، وهي تَنوخ، والعُتْق، وغسّان، فإن كل قبيلة منها مجتمعة من عدة بطون.
وسيأتي بيان ذلك في الكلام على كل قبيلة من القبائل الثلاث في موضه، إن شاء الله.
ثم أن القبيلة قد يكون له عدة أولاد فيحدث عن بعضهم قبيلة أو عدة قبائل، فتنسب إليه كل قبيلة تحدث عنه وتُترك النسبة إلى القبيلة الأولى، كحنظلة بن تميم، فينسب إلى "حنظلة" ويترك "تميم" ويبقى بعضهم بلا ولد، بألا يولد له أو لم يشتهر ولده، فينسب إلى القبيلة الأولى.
الثالث- إذا اشتمل النسب على طبقتين فأكثر، كهاشم، وقريش، ومُضر، وعدنان، جاز لمن في الدرجة الأخيرة من النسب أن ينتسب إلى الجميع، فيجوز لبني هاشم أن يُنسبوا إلى هاشم وإلى قريش وإلى مضرو إلى عدنان، فيقال في أحدهم: الهاشميّ، والقرشيّ، والمضريّ، والعدنانيّ.
بل قد قال الجوهري: إن النسبة إلى الأسفل تُغني عن النسبة إلى الأعلى، فإذا قلت في النسبة إلى "كلب بن وبرة" الكلبي، استغنيت أن تنسبه إلى شيء من أصوله.
وذكر غيره أنه يجوز الجمع في النسب بين الطبقة العليا والطبقة السفلى.
ثم بعضهم يرى تقديم العليا على السفلى، مثل أن يقال في النسب إلى عثمان ابن عفان رضي الله عنه: الأموي العثماني، وبعضهم يرى تقديم السفلى على العليا، فيقال: العثماني الأموي.
الرابع- قد ينضم الرجل إلى غير قبيلته بالحلف والموالاة، فينسب إليهم، فيقال: فلان حليف بني فلان، أو مولاهم؛ كما يقال في البخاري: الجُعفي مولاهم، ونحو ذلك.
الخامس- إذا كان الرجل من قبيلة ثم دخل قبيلة أخرى جاز أن ينسب إلى قبيلته الأولى، وأن ينسب إلى قبيلته التي دخل فيها، وأن ينسب إلى القبيلتين جميعاً، مثل أن يقال: التميمي ثم الوائلي، أو الوائلي ثم التميمي، وما أشبه ذلك.
السادس- القبائل في الغالب تسمى باسم الأب والد القبيلة، كربيعة ومضر والأوس والخزرج، ونحو ذلك، وقد تسمى القبيلة باسم أمها الوالدة لها، كخندف وبِجَيلة ونحوهما، وقد تسمى باسم حاضنة ونحوها، وربما وقع اللقب على القبيلة بحدوث سبب، كغسان، حيث نزلوا من ماء يسمى غسان، فسموا به، كما سيأتي إن شاء الله.
السابع- غالب أسماء العرب منقولة عما يدور في خزانة خيالهم مما يخالطونه ويجاورونه، إما من الوحوش، كأسد ونمر، وإما من النبات، كنَبت وحنظلة، وإما من الحشرات، كحيّة وحنش، وإما من أجزاء الأرض، كفِهر وصَخر، ونحو ذلك.
الثامن- الغالب على العرب تسمية أبنائهم بمكروه الأسماء، ككلب وحنظلة وضِرار وحرب، وما أشبه ذلك، وتسمية عبيدهم بمحبوب الأسماء، كفلاح ونجاح، ونحو ذلك.
والمعنى فيه ما حُكي: أنه قيل لأبي الدُّقيش الكلابي: لِمَ تسمون أبناءكم بشرّ الأسماء، نحو كلب وذئب، وعبيدكم بأحسن الأسماء، نحو مرزوق ورَباح، فقال: إنما نسمي أبناءنا لأعدائنا، وعبيدنا لأنفسنا. يريد أن الأبناء مُعدَّة للأعداء في المحاربة ونحوها فاختاروا لهم شر الأسماء، والعبيد معدّة لأنفسهم فاختاروا لهم خير الأسماء.
التاسع- إذا كان في القبيلة اسمان متوافقان كالحارث والحارث، والخزرج والخزرج، ونحو ذلك، وأحدهما من ولد الآخر، أو بعده في الوجود، عُبِّر عن الوالد أو السابق منهما بالأكبر، وعن الولد أو المتأخر منهما بالأصغر، وربما وقع ذلك في الأخوين، إذا كان أحدهما أكبر من الآخر.
العاشر- أسماء القبائل في اصطلاح العرب على خمسة أضرب: أولها- أن يطلق على القبيلة لفظ الأب، كعاد وثمود ومَدين، وما شاكل ذلك، وبذلك ورد القرآن الكريم في عدة مواضع، كقوله تعالى: )وإلى عاد( )وإلى ثمود( )وإلى مَدْين(، يريد: بني عاد، وبني ثمود، وبني مدين، وأكثر ما يكون ذلك في الشعوب والقبائل العظام لا سيما في الأزمان المتقدمة، بخلاف البطون والأفخاذ ونحوها.
وثانيها- أن يطلق على القبيلة لفظ البُنوة، فيقال: بنو فلان، وأكثر ما يكون ذلك في البطون والأفخاذ والقبائل الصغار، لا سيما في الأزمان المتأخرة.
وثالثها- أن تَرد القبيلة بلفظ الجمع مع الألف واللام، كالطالبيين، والجعافرة، ونحوهما، وأكثر ما يكون ذلك في المتأخرين دون غيرهم.
ورابعها- أن يعبر عن القبيلة ب "آل فلان" كآل ربيعة، وآل فضل، وآل علي، وما أشبه ذلك، وأكثر ما يكون ذلك في الأزمنة المتأخرة، لا سيما في عرب الشام في زماننا، والمراد بالآل: الأهل.
وخامسها- أن يُعبر عن القبيلة بأولاد فلان، ولا يوجد ذلك إلا في المتأخرين من أفخاذ العرب على قلة.
المقصد في معرفة تفاصيل أنساب العرب
وفيه فصلان
الفصل الأول
في ذكر عمود النسب النبوي
وما يتفرع عنه من الأنساب
أما عمود نسبه- صلى الله عليه وسلم- فعلى ما ذكره ابن إسحاق-: هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب- واسمه شيبة. وقيل: عامر- بن هاشم- واسمه: عمرو بن عبد مناف- واسمه: المغيرة- بن قصي- واسمه: زيد، ويدعى مجمعاً- بن كلاب ابن مُرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن غالب بن فهر بم مالك بن النضر- واسمه عامر- ابن كنانة بن خُزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أدد بن مقُوم بن ناحور بن تيرح بن يَعرُب بن يَشْجُب بن نابت بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل- عليه السلام- بن تارح بن ناحور بن شاروغ بن راعو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح- عليه السلام- بن لَمْك بن مَتُّوشلخ بن أخنوخ- وهو إدريس- بن يَرْد بن مَهْليل بن قينن بن أنوش بن شيت ابن آدم عليه السلام.
والاتفاق على هذا النسب الشريف إلى عدنان. وفيما بعد عدنان إلى الخليل عليه السلام خلاف كثير يأتي ذكره في الكلام على نسب عدنان، عند ذكر العرب المستعربة إن شاء الله. بل قد منع بعضهم رفع النسب فيما فوق عدنان، وعلى ذلك جرى النووي في كتبه.
قال القضاعي في كتابه "عيون المعارف في أخبار الخلائف": وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُجاوزوا معد بن عدنان، كذب النسابون" ثم قرأ )وقُروناً بين ذلك كثيراً( ولو شاء أن يعلمه علَّمه.
وذكر التَّوزري في شرح الشقراطيسية أنه صلى الله عليه وسلم كرر: "كذب النسابون" مرتين أو ثلاثاً، ثم قال: والصحيح أنه من قول ابن مسعود وعليّ.
وعن مالك ابن أنس: أنه سئل عن الرجل يُرفع نسبه إلى آدم. فكره ذلك، فقيل له: إلى إسماعيل? فأنكر ذلك وقال: من يخبر به.
والذي عليه البخاري وغيره من العلماء موافقة ابن إسحاق على رفع النسب، كما تقدم.
وأما ما يتفرع من عمود نسبه- صلى الله عليه وسلم- من الأنساب فلا خفاء أن آدم عليه السلام هو أبو البشر، ومبدأ النسل. وما يذهب إليه الفرس من أن مبدأ النسل من كيومرت، الذي ينسب إليه الفرس، فإنه مفسر بآدم عليه السلام عند أكثر المؤرخين. ثم لا نزاع في أن الأرض عمرت ببني آدم عليه السلام إلى زمن نوح عليه السلام. وأنهم هلكوا بالطوفان الحاصل بدعوة نوح، حين غلب فيهم الكفر وظهرت عبادة الأوثان، وأن الطوفان عمَّ جميع الأرض. ولا عبرة بما يذهب إليه الفرس من إنكار الطوفان، ولا بما ذهب إليه بعضهم من تخصيصه بإقليم بابل، الذي به نوح عليه السلام.
ثم وقع الاتفاق بين النسّابين والمؤرخين أن جميع الأمم الموجودة بعد نوح عليه السلام جميعهم من بنيه، دون من كان معه في السفينة، وعليه يحمل قوله تعالى: )ذُرية من حملنا مع نوح(.
أما من عدا بنيه ممن كان معه في السفينة، فقد روي أنهم كانوا ثمانين رجلاً، وأنهم هلكوا من غير عقب. ثم اتفقوا على أن جميع النسل من بنيه الثلاثة: يافث- وهو أكبرهم- وسام- وهو أوسطهم- وحام- وهو أصغرهم.
وقد ذكر ابن إسحاق أنه كان ليافث ستة أولاد، وهم: كومر-ويقال: غومر وياوان- ويقال: يافان، وهو يونان- وماغوغ، وقطوبال، وماشخ، وطيراش. ووقع في الإسرائيليات زيادة "ماذاي" فصاروا به سبعة.
وذكر البيهقي ثامناً، وهو: علجان.
ووقع في كلام ابن سعيد زيادة "سويل" فيكونون تسعة.
قال ابن إسحاق: وكان لسام خمسة أولاد، وهم: أرفخشذ، ولاوذ، وآرم، وأشوذ، وغُليم.
وفي الإسرائيليات أنه كان لحام أربعة أولاد: وهم: مصر- وبعضهم يقول مصرايم- وكنعان، وكوش، وقوط.
والذي ذكره الأستاذ إبراهيم بن وصيف شاه في كتاب "العجائب"، أن مصر بن بيصر بن حام بن نوح، فيكون حينئذ مصر ابن ابن حام، لا ابنه لصلبه.
إذا علمت ذلك فكل أمة من الأمم ترجع إلى واحد من أبناء نوح الثلاثة على كثرة الخلاف في ذلك.
فالترك من بني ترك بن كومر بن يافث، وقيل: من بني طيراش بن يافث. ونسبهم ابن سعد إلى: ترك بن عامور بن سويل بن سويد بن يافث. ويدخل في جنس الترك القفجاق، وهم الخفشاج، والطغر، وهم التتر. ويقال التتار: بزيادة ألف. ويقال فيهم: الططر، بالطاء. ويدخل فيهم أيضاً الخرلخية، والخزر، وهم الغز الذين كان منهم ملوك السلاجقة، والهياطلة، وهم الصغد، والغور والعلان، ويقال: اللان، والشركس، والأزكش، والروس، فكلهم من جنس الترك نسبهم داخل في نسبهم.
والجرامقة: وهم أهل الموصل القديم، من ولد جرموق بن أشوذ بن سام بن نوح. فيما قاله ابن سعيد، ومن ولد كاثر بن إرم بن سام، فيما قاله غيره.
والجيل: وهم أولاد كيلان من بلاد الشرق، من ولد باسل بن أشوذ بن سام، قاله ابن سعيد.
والخزر، وهم التركمان، من ولد توغرما بن كومر بن يافث، فيما وقع في الإسرائيليات، وقيل من ولد طيراش بن يافث، وقيل: نوع من الترك.
والديلم: وهم الذين كانوا منهم بنو بويه ملوك العراق وغيره من الشرق، من بني مازاي بن يافث. وقال ابن سعيد: من بني باسل بن أشوذ بن سام. وقيل: هم من بني باسل بن طابخة بن إلياس بن مضر. وضعفه أبو عبيد.
والروم، قيل: هم من بني كيتم بن يونان، وهو يافان بن يافث. وقيل: من ولد رومي بن يونان بن علجان بن يافث. وقيل: من ولد رعويل بن عيصو بن إسحاق ابن إبراهيم عليه السلام.
وقال الجوهري في "صحاحه": من ولد روم بن عيصو بن إسحاق.
والسُّرْيان: من بني سُوريان بن نُبيط بن ماش بن إرم بن سام. قاله ابن الكلبي.
والسند، في الإسرائيليات: أنهم من بني شاو بن رعما بن كوش بن حام.
وحكى الطبري عن ابن إسحاق: أنهم من بني كوش بن حام. وهو قريب من الأول.
والسودان. قال ابن سعيد: جميع أجناسهم من ولد حام.
ونقل الطبري عن ابن إسحاق: أن الحبشة من ولد كوش بن حام؛ والنوبة من ولد كنعان بن حام، وأن الزنج من ولد كنعان أيضاً، وكذلك زغاوة.
وذكر ابن سعيد أن الحبشة من بني حبش، والنوبة من بني نوبة، أو بني نوبى، والزنج من بني زنج، ولم يرفع في نسبهم، فيحتمل أن يكونوا من أعقاب بني حام.
والصقالبة، عند الإسرائيلين: من بني ياوان بن يافث، وقيل: من بني أشتكاز بن يوغرما بن كومر بن يافث.
والصين، قيل: من بني صيني بن ماغوغ بن يافث. وقيل: من بني قطوبال بن يافث. وذكر هُروشْيس مؤرخ الروم أنهم من بني ماغوغ بن يافث.
والعبرانيون، من ولد عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام. قاله الطبري.
والفرس، قال ابن إسحاق: من ولد فارس بن لاوذ بن سام.
وقال ابن الكلبي: من ولد طيراش بن أشوذ بن سام. وقيل: من ولد طيراش ابن حوران بن يافث. وقيل: من بني أميم بن لاوذ بن سام.
قال في العبر: وليس بصحيح.
ووقع للطبري أنهم من ولد رعويل بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام.
قال في العبر: ولا التفات إلى هذا القول، لأن ملك الفرس أقدم من ذلك.
والفرنج، قيل: من ولد قطوبال بن يافث. وقيل: من ولد ريفاث بن كومر ابن يافث، وقيل من ولد توغرما بمن كومر بن يافث.
والقبط، قال الأستاذ بن وصيف شاه: هم من بني قبطيم بن مصر ابن حام.
وعند الإسرائيليين أنهم من ولد قوط بن حام. وقال أهرشيوش: من ولد قبط بن لاب بم مصرايم بن حام.
والقُوط: - بضم القاف- وهم أهل الأندلس قبل الإسلام: من ولد ماغوغ بن يافث، فيما قاله هْرُوشْيُسْ. وقيل: من ولد قُوط بن حام.
والكرد، بضم الكاف: من بني إيران بن أشوذ بن سام، وإلى إيران هذا تنسب مملكة إيران، التي كان بها ملوك الفرس. قال المُقر الشهابي بن فضل الله في كتابه "التعريف": يقال: في المسلمين الكرد، وفي الكفار الكرج، وحينئذ فيكون الكرد والكرج نسباً واحداً.
والكنعانيون، الذين كانوا منهم جبابرة الشام، من ولد كنعان بن حام.
والَّلمان- بفتح اللام- من ولد قطوبال بن يافث. وقال المؤيد صاحب حماة: ومواطنهم بالغرب إلى الشمال في شمال البحر الرومي.
والنبط- بفتح الباء- وهم أهل بابل في الزمن القديم. قال ابن الكلبي: هم بنو نبيط بن ماش بن إرم بن سام. وقال ابن سعيد: هم من بني نبيط بن أشوذ بن سام.
والهند: في الإسرائيليات، أنهم من ولد دادان بن رعما بن كوش بن حام. ونقل الطبري عن ابن إسحاق: أنهم من بني كوش بن حام، من غير واسطة.
والأرمن، وهم أهل أرمينية الذين بقاياهم ببلاد سيس إلى الآن، قيل: من ولد قهويل بن ناحور بن تارح. وهو آزر- بن ناحور، أخو إبراهيم عليه السلام.
والأشبان، عند بعض النسابين: من ولد ماشخ بن يافث. وعند الإسرائيليين: من ولد ياوان، وهو يونان بن يافث. وعند آخرين: أنهم من شعوب بني عيصو ابن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام. وقال الطبري: أشك أنهم من ولد رعويل ابن عيصو بن إسحاق، وهو قريب من الأول.
واليونان، قيل: هم من ولد يونان، وهو ياوان بن يافث. وقال البيهقي: من بني يونان بن علجان بن يافث، وشذ الكندي فقال: يونان بن عابر، وذكر أنه خرج من بلاد العرب مغاضباً لأخيه قحطان، فنزل شرقي الخليج القسطنطيني، فتناسل بنوه هناك. ورد عليه أبو العباس الناشئ بقوله:
تُخلِّط يوناناً بقَحْطـان ضِـلَّةً لعمري لقد باعدتَ بينهما جدّاً
واليونانيون على ثلاثة أصناف: الَّلطينيون، وهم بنو الَّلطين بن يونان؛ والإغريقيون، وهم بنو إغريقن بن يونان، والكيتم، وهم بنو كيتم ابن يونان، وإلى هذه الفرقة منهم يرجع نسب الروم فيما قبل.
وزُويلة- وهم أهل برقة في الزمن القديم، ويقال: إنهم من بني حويلا بن كوش بن حام، ومنهم الطائفة الذين وصلوا صُحبة المُعزِّي باني القاهرة، المنسوب إليهم باب زُويلة، وحارة زويلة بالقاهرة.
ويأجوج ومأجوج- قيل: هم من ولد ياغوغ بن يافث. وقيل: من ولد كومر ابن يافث.
والبربر- فيهم خلاف يرجع إلى أنهم، هل هم من العرب أو من غيرهم? وقد اختلف في نسبهم اختلافاً كثيراً، فذهبت طائفة من النسابين إلى أنهم من العرب ثم اختُلف في ذلك، فقيل: أوزاع من اليمن، وقيل: من غسان وغيرهم تفرقوا عند سيل العَرم، قاله المسعودي.
وقيل: خلَّفهم أبرهة ذو المنار، أحد تبايعة اليمن حين غزا العرب.
وقيل: من ولد لقمان بن حِمْير بن سبأ، بعث سريّة من بنيه إلى المغرب ليعمروه فنزلوا وتناسلوا فيه. وقيل: من لخم وجُذام كانوا نازلين بفلسطين من الشام إلى أن أخرجهم منها بعض ملوك فارس فلجأوا إلى مصر، فمنعهم ملوكها من نزولها، فذهبوا إلى الغرب فنزلوه.
وذهب قوم إلى أنهم من ولد يقشان بن إبراهيم عليه السلام.
وذكر الحمداني أنهم من ولد بر بن قيذار بن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وأنه كان قد ارتكب معصية فطرده أبوه، وقال له: البر، البرّ، اذهب يا بَر، فما أنت بَر.
وقيل: هم من ولد بربر بن كسلوحيم بن حام.
وقيل: من ولد تميلة بن مأرب بن قاران بن عمرو بن عمليق بن لاوذ ابن إرم بن سام بن نوح.
وقيل: من ولد قبط بن حام بن نوح.
وقيل: أخلاط من كنعان والعماليق.
وقيل: من حمير ومصر، والقبط.
وقيل: من ولد جالوت، ملك بني إسرائيل، وأنه لما قَتَلَ داود عليه السلام جالوت تفرقوا في البلاد، فلما غزا إفريقش الغرب نقلهم من سواحل الشام، وأسكنهم المغرب وسماهم البربر.
وقيل: بل أخرجهم داود عليه السلام من الشام فصاروا إلى المغرب.
وهم قبائل كثيرة، وشعوب جمة، وطوائف متفرقة، وأكثرهم ببلاد المغرب، وقد صار بعضهم من المغرب إلى مصر، فنزلوا وتلبسوا بالعرب بعضهم بالوجه البحري ببلاد البحيرة والمنوفية والغربية، وبعضهم بالوجه القبلي بالجيزة وبلاد البهنسا إلى أقصى الصعيد.
قال صاحب العبر: وهي على كثرتها ترجع إلى أصلين لا تخرج عنهما، وهم: الأول: البرانس، وهم بنو برنس من بربر. والثاني: البتر، وهم بنو مادغش الأبتر بن بربر.
قال: وبعضهم يقول: إنهم يرجعون إلى سبعة أصول، وهم: إردواحة، ومصمودة، وأَوْرَبَّة، وعجبة، وكُتامه، وصنهاجة، وأوريغة.
ثم قال: وزاد بعضهم: لمطة، وهكسوره، وكزولة.
وسيأتي ذكر المشهور من قبائلهم مع ذكر قبائل العرب لتلبّسهم بهم، في موضعه إن شاء الله تعالى.
أما العرب فإنهم على اختلاف قبائلهم وتباين شعوبهم من ولد سام باتفاق النسّابين: بعضهم يرجع إلى لاوذ بن سام، وبعضهم إلى إرم بن سام، وبعضهم يرجع إلى قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام، وبعضهم يرجع إلى إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام، وبعضهم يرجع إلى مَدْين بن إبراهيم عليه السلام. وقد تقدم في عمود النسب أن إبراهيم من ولد عابر بن شالخ بن أرفخشذ ابن سام.
( قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان ) تأليف / القلقشندي رحمه الله
ذكر المؤلف في هذا الكتاب طرف من أنساب الأمم ليتم , وأوصلا نسب كل أمة منها بعمود النسب المحمدي ليعلم اتصال الأمم بعضها ببعض؛ ذاكراً كل قبيلة وما فوقها من الشعوب، وما يتفرع منها من العمائر والبطون والأفخاذ على اختلاف الأصناف والضروب؛ ذاكراً مقر كل قبيلة منها في القديم والحديث، مستنداً في ذلك إلى ما تضمنته كتب الأنساب والتاريخ وكتب أسماء رجال الحديث؛ مورداً في خلال كل قبيلة من كان منها من صحابي مذكور، أو شاعر مجيد أو فارس مشهور؛ وقد رتبته على مقدمة ومقصد وخاتمة .
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل للعرب بالنسب المحمدي منتمى تنعقد على فضله الخناصر، وأيد عزهم بأعز مليك، وأعز جانبهم بأعز ناصر، وخصهم من كثرة القبائل بما يقفون عده العاد، ويعترف بالعجز عن حصره الحاصر، وأنالهم من الشرف الباذخ ما لا تمتد إليه يد أحد من الأمم، فكل مدع عن بلوغ درجته قاصر.
أحمده على أن رفع عماد بيت النسب البارزي وأعلى درجه، ومدّ أطناب ممادحه في الآفاق وأطاب بالذكر الجميل أرجه؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يشيع في القبائل ذكرها، ويضوع في كل نادٍ من أندية الأحياء نشرها؛ وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله أفضل نبي زكا أصلاً وطاب أرومة، وأكرم رسول شرُف عنصراً وكرم جرثومة؛ صلى الله على آله وصحبه الذين سموا بانتسابهم إلى شريف نسبه، ودخلوا في زمرته الفاخرة فاندرجت أحسابهم في كريم حسبه.
وبعد، فلما كان العلم بقبائل العرب من لازم كتابة الإنشاء الذي أُهمل جانبه، وسكن لقلة معانيه بعد الحركة ضاربه، ورُفض تداوله حتى قل مُعانيه وعز طالبه؛ وكان كتابي المسمى "نهاية الأرب، في معرفة قبائل العرب" قد احتوى من ذكر القبائل على الجم الغفير، وطمع في الاستكثار فلم يكتف من ذكر الشعوب باليسير؛ إلا أن من القبائل المذكورة فيه ما أخنى عليها الزمان، وجهل حالها الآن في الوجود والعدم فلم تعرف لها أرض ولم يوقف لها على مكان؛ مع أن القدر الذي يحتاج كاتب الإنشاء منه إلى الأخذ بتفصيله، ويضطر إلى معرفة تفريعه وتأصيله؛ من يضمه نطاق الديار المصرية من عربان الزمان، ومن يكاتب على أبواب سلطانها أو تدعو الحاجة إلى خطابه في حين أو أوان؛ مع من يتعلق بأذيال قبائلهم ممن لم يبلغ رتبة الخطاب، أو ينتمي إليهم بمحالفة أو يعتزي إلى قبيلتهم بعلاقة سبب من الأسباب.
وكان المقر الأشرف العالي المولوي القاضوي الكبيري النظامي المدبري السفيري اليميني المشيري الأصيلي العريقي الكفيلي الناصري:نظام الملك نجي السلطنة، لسان المملكة، مالك زمام الأدب، جامع أشتات الفضائل أبو المعالي محمد الجهني البارزي الشافعي المؤيدي، صاحب دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية، جمل الله الوجود ببقائه، وأدام علوه ولا رتبة في الرياسة فوق رتبته فتعالى نسباً وزاد في ارتقائه، قد أُلقي إليه من الممالك الإسلامية مقاليدها، ودانت لسورة كتبه الأقطار المتقاصية قريبها وبعيدها؛ وصُرفت بتصاريف أقلامه أمور الدولة فجرت بها على السداد، ونفذت بتنفيذه أمورها فأربت مقاصدها والحمد لله على المراد.
وإن أُمور الملك أَضحى مَـدارهـا عليه كما دارت على قُطبها الرحَى
وكنت ممن عمه فضله، وغمره غيثه الهامع ووبله؛ وولج حماه المنيع فاحتمى، ونزل بساحة بابه العالي فبات منه في أعز حمى، ما أمتني بائقة احتياج إلا قمعها، ولا عرتني كارثة احتياج إلا ردعها ؛ ولا سامني الدهر ضيماً إلا كبحه، ولا أغلق عني الزمان باب خير إلا فتحه؛ ولا تربت يدي إلا أغناها، ولا قصدت أدنى رتبة إلا بلغ بي أعياها: ولا استعنت بجاهه من حرّ ضنك إلا كان لي خير مقيل، ولا لُذت بجنابه من هجير ضر إلا أويت منه إلى ظل ظليل:
بِتْ جاره فالعيشُ تحت ظلاله واسْتَسقه فالبحرُ من أنـوائه
وكانت خزانته العالية عمرها الله تعالى بدوام أيامه، وأراه من محاسن جمعها في اليقظة ما يمتنع أن يراه القاضي الفاضل في منامه؛ قد سعدت بإسعاد جدوده، وخصت من نفائس التأليف بكل نفيس لا سيما مصنفات آبائه وجدوده؛ مع اشتماله من شريف النسب على الصفقة الرابحة، وتمسكه من الانتساب إلى العرب العاربة من بني قحطان بالكفة الراجحة:
مَعالٍ تمادت في العُلّو كأنـمـا تُحاول ثأراً عند بعض الكواكبِ
أحببت أن أخدم جانب علاها بمختصر من ذكر قبائل العرب المنتظم في سلك الزمان الآن وجودهم، والمحيطة بعنق الآفاق في هذا العصر عقودهم؛ مُصدِّراً له بذكر طرف من أنساب الأمم ليتم بذلك منه الغرض، واصلاً نسب كل أمة منها بعمود النسب المحمدي ليعلم اتصال الأمم بعضها ببعض؛ ذاكراً كل قبيلة وما فوقها من الشعوب، وما يتفرع منها من العمائر والبطون والأفخاذ على اختلاف الأصناف والضروب؛ ذاكراً مقر كل قبيلة منها في القديم والحديث، مستنداً في ذلك إلى ما تضمنته كتب الأنساب والتاريخ وكتب أسماء رجال الحديث؛ مورداً في خلال كل قبيلة من كان منها من صحابي مذكور، أو شاعر مجيد أو فارس مشهور؛ ليكون بانتسابه إليه كالغرة في وجه كتبه، ويدخر بخزانته السعيدة ليكون كلمة باقية في عقبه؛ على أني في ذلك كنافل التمر إلى هجر، وممد البحر ببلالة القطر ورشح الحجر؛ إذ كان المقر المشار إليه- خلد الله تعالى أيامه- في معرفة الأنساب هو واسطة عقدها الثمين، وجهينة أخبارها وعبد جهينة الخبر اليقين؛ وسميته: "قلائد الجمان، في التعريف بقبائل عرب الزمان" والله تعالى يقرنه بالتوفيق في جمع مقاصده، ويورده موارد القبول في بدو الأمر وعائده. وقد رتبته على مقدمة ومقصد وخاتمة.
1- المقدمة في ذكر أمور يُحتاج إليها في علم الأنساب، ومعرفة القبائل وفيها خمسة فصول: الفصل الأول: في فضل علم الأنساب ومسيس الحاجة إليه.
الفصل الثاني: في بيان من يقع عليه اسم العرب، وذكر أنواعهم وما ينخرط في سلك ذلك.
الفصل الثالث: في معرفة طبقات الأنساب، وما يلتحق بذلك.
الفصل الرابع: في ذكر مساكن العرب القديمة التي منها درجوا إلى سائر الأقطار.
الفصل الخامس: في ذكر أمور يحتاج إليها الناظر في علم الأنساب.
2- المقصد في معرفة تفاصيل أنساب القبائل وفيه فصلان: الفصل الأول: في ذكر عمود النسب النبوي، على صاحبه أفضل الصلاة والسلام، وما يتفرع عنه من الأنساب.
الفصل الثاني: في ذكر تفاصيل القبائل، وما يتيسر ذكره من مساكنهم الآن.
الخاتمة في ذكر نبذة من أوصاف المقر الأشرف الناصري المؤلف له هذا الكتاب، ومناقبه، ونُبذة من سيرته الغراء.
المقدمة
في ذكر أمور يحتاج إليها في علم الأنساب
ومعرفة القبائل
وفيها خمسة فصول
الفصل الأول
في فضل علم الأنساب
وفائدته ومسيس الحاجة إليه لا خفاء أن معرفة الأنساب من الأمور المطلوبة، والمعارف المندوبة؛ لما يترتب عليها من الأحكام الشرعية، والمعارف الدينية. فقد وردت الشريعة باعتبارها في مواضع: منها: العلم بنسب النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه النبي القرشي الهاشمي الذي كان بمكة وهاجر منها إلى المدينة وتوفي ودفن بها، فإنه لا بد لصحة الإيمان من معرفة ذلك، ولا يعذر مسلم في الجهل به وناهيك بذلك.
ومنها: التعارف بين الناس حتى لا يعتزي أحد إلى غير أبيه، ولا ينسب إلى سوى أجداده. وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى: )يأيُها الناس إنا خلقناكُم من ذَكر وأُنثى وجعلناكم شُعوباً وقبائل لتعارفوا(. ولولا معرفة الأنساب لفات إدراك ذلك وتعذر الوصول إليه.
ومنها: اعتبار النسب في الإمامة التي هي الزعامة العظمى. فقد حكى الماوردي في الأحكام السلطانية الإجماع على كون الإمام قرشياً، ثم قال: ولا اعتبار بضرار حيث. فجوزها في جميع الناس. فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: الأئمة من قريش. قال أصحابنا الشافعية: فإن لم يوجد قرشي اعتبر كون الإمام كنانياً من بني كنانة من خُزيمة، فإن تعذر اعتبر كونه من بني إسماعيل عليه السلام، فإن تعذر اعتبر كونه من بني إسحاق عليه السلام، فإن تعذر اعتبر كونه من جرهم، لشرفهم بصهارة إسماعيل عليه السلام، بل قد نصوا أن الهاشمي أولى بالإمامة من غيره من قريش.
فلولا المعرفة بعلم النسب لفات وتعذر حكم الإمامة العظمى التي بها عموم صلاح الأمة، وحماية البيضة، وكف الفتنة، وغير ذلك من المصالح.
ومنها: اعتبار النسب في كفاءة الزوج للزوجة عند الشافعي رضي الله عنه، حتى لا يكافئ الهاشمية والمطّلبية غيرها من قريش، ولا يكافئ القرشية غيرها من العرب ممن ليس بقرشي، ولا يكافئ الكنانية غيرها من العرب ممن ليس بكناني ولا قرشي على الأصح.
وفي اعتبار النسب في العجمي أيضاً وجهان: أصحهما الاعتبار. فإذا لم يعرف النسب تعذرت هذه الأحكام.
منها: مراعاة النسب الشريف في المرأة المنكوحة، فقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تنكح المرأة لأربع: لدينها، وحسبها، ومالها، وجمالها" فراعى صلى الله عليه وسلم في المرأة الحسب، وهو شرف الآباء.
ومنها: جريان الرق على العرب في أحد قولي الشافعي رضي الله عنه وموافقيه، فإذا لم يعرف النسب تعذر ذلك، إلى غير ذلك من الأحكام الجارية هذا المجرى.
ثم ليعلم أنه قد ذهب كثير من أئمة المحدثين والفقهاء، كالبخاري، إلى جواز الرفع في الأنساب احتجاجاً بعمل السلف، فقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه في علم الأنساب في المقام الأرفع والجانب الأعلى، وذلك أذل دليل وأعظم شاهد على شرف هذا العلم وجلالة قدره.
وقد حكى صاحب الريحان والريعان عن أبي سليمان الخطابي رحمه الله قال: كان أبو بكر رضي الله عنه نسّابة فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فوقف على قوم من ريبعة فقال: ممن القوم? قالوا: من ربيعة، قال: وأي ربيعة أنتم، أمن هامتها أم من لهازمها? قالوا: بل من هامتها العظمى. قال أبو بكر: ومن أيها? قالوا من ذُهل الأكبر. قال أبو بكر: فمنكم عوف بن مُحلِّم الذي يقال له: لا حُرّ بوادي عوف? قالوا: لا. قال: فمنكم بِسطام بن قيس أبو القِرَى ومنتهى الأحياء? قالوا: لا، قال: فمنكم اَلْحوفزان قاتل الملوك وسالبها أَنْعُمها? قالوا: لا. قال: فمنكم المزدلف الحرّ صاحب العمامة الفردة? قالوا: لا. قال: فمنكم أخوال الملوك من كِندة? قالوا: لا. قال: فمنكم أصهار الملوك من لَخم? قالوا: لا. قال: فلستم بذُهل الأكبر بل ذهل الأصغر. فقام إليه غلام من شيبان يقال له: دِغْفَل حين بَقَل وجهه فقال: إن على سائلنا أن نسأله: يا هذا إنك قد سألت فأخبرناك ولم نكتمك شيئاً من خبرنا، فمن الرجل? قال أبو بكر: أنا من قريش. قال: بخٍ بخٍ أهل الشرف والرياسة، فمن أي القرشيين أنت? قال: من تَيم بن مُرة. قال الفتى: أمكنت والله الرامي من سواء الثُّغرة، فمنكم قُصي الذي جمع القبائل من فِهر وكان يُدعى مُجمعاً? قال: لا. قال: فمنكم هاشم الذي هشم الثريد لقومه? قال: لا. قال: فمنكم شيبة الحمد مطعم طير السماء? قال: لا. قال: فمن المفيضين بالناس أنت? قال: لا. قال: فمن أهل الندوة أنت? قال: لا. قال: فمن أهل السقاية أنت? قال: لا. قال: فمن أهل الرفادة أنت? قال: لا. قال: فمن أهل الحجابة أنت? قال: لا. واجتذب أبو بكر رضي الله عنه زمام ناقته، فقال الفتى:
صادف دَرُّ السيل درّاً يدفعه يَهيضه حيناً وحيناً يصدعُهْ
أما والله يا أخا قريش لو لبثت لأخبرتك أنك من رعيان قريش ولست من الذوائب. فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فتبسم. فقال عليّ رضي الله عنه: يا أبا بكر، لقد وقعت من الغلام الأعرابي على باقعه. فقال: يا أبا الحسن، ما من طامة إلا وفوقها طامة.
ودِغْفل هذا هو دغفل ابن حنطلة النسابة الذي يُضرب به المثل في معرفة النسب، قدم مرة على معاوية بن أبي سفيان في خلافته فاختبره فوجده رجلاً عالماً، فقال: بِم نلت هذا يا دغفل? قال: بقلب عَقول، ولسان سؤول، وآفة العلم النسيان.
وممن اشتهر بمعرفة الأنساب أيضاً ابن الكيّس، من بني عوف بن سعد ابن ثعلب بن وائل وفيهما يقول مسكين بن عامر:
فحكِّم دِغْفلاً وارحـل إلـيه ولا تَدِع المعطيَّ من الكَلالِ
أو ابن الكيِّس النَّمـري زيداً ولو أمسى بمُنخرق الشمال
وقد صنف في علم الأنساب جماعة من جلة العلماء وأعيانهم، كأبي عبيد القاسم ابن سلام، والبيهقي، وابن عبد البر، وابن حزم، وغيرهم؛ وذلك دليل شرفه ورفعة قدره.
الفصل الثاني
في بيان ما يقع عليه اسم العرب، وذكر أنواعهم
وما ينخرط في سلك ذلك أما من يقع عليه اسم العرب فقد قال الجوهري في صحاحه: "العرب جيل من الناس، وهم أهل الأمصار، والأعراب سكان البادية".
والتحقيق أن اسم العرب يشمل الجميع، والأعراب نوع منهم.
قال الجوهري: "وجاء في الشعر الفصيح الأعاريب، ويقال: تعرّب العجمي، إذا تشبه بالعرب".
وقد ذكر صاحب "العِبر" أن لفظ العرب مشتق من الإعراب، وهو البيان، أخذاً من قولهم: أعرب الرجل عن حاجته، إذا أبان، سُمُّوا بذلك لأن الغالب عليهم البيان.
وتصغير العرب: عُريب، والنسبة إلى العرب: عربيّ، وإلى الأعراب: أعرابيّ، لأنه لا واحد له يُرد إليه، بخلاف مساجد، حيث ينسب إليها: مسجدي، نسبة إلى الواحد منها من حيث إن لها واحداً ترد إليه.
ثم إن كل من عدا العرب فهو عجمي، سواء الفرس أو الترك أو الروم أو غيرهم، وليس كما تتوهم العامة من اختصاص العجم بالفرس، أما الأعجم فالذي لا يفصح في الكلام وإن كان عربياً، ومنه سميّ: زياد الأعجم الشاعر، وكان عربياً.
وأما أنواع العرب فقد اتفقوا على تنويعهم أولاً على نوعين: عاربة ومستعربة.
فأما العاربة، فقال الجوهري: هم العرب الخلّص.
قال في العبر: وهم العرب الأُوَل الذين فهّمهم الله اللغة العربية ابتداء فتكلموا بها فقيل لهم: عاربة، إما بمعنى الراسخة في العروبية، كما يقال: ليل لائل، وإما بمعنى الفاعلة للعروبية والمبتدعة لها، لمّا كانوا أول من تكلم بها.
قال الجوهري: وقد يقال فيها: العرب العَرْباء.
والمستعربة: الداخلون في العروبية بعد العجمة، أخذاً من استفعل بمعنى الصيرورة، نحو استنوق الجمل، إذا صار في معنى الناقة، لما فيه من الخنوثة، واستحجر الطين، إذا صار في معنى الحجر ليُبسه.
قال الجوهري: وربما قيل لهم المتعربة.
ثم اختلف في العاربة والمستعربة، فذهب ابن إسحاق والطبري إلى أن العاربة هم: عاد، وثمود، وطَسْم، وجَديس، وأُميم، وعَبيل، والعَمالقة، وعبد ضَخْم، وجُرْهم الأولى، التي كانت في زمن عاد، ومن في معناهم.
والمستعربة: بنو قحطان بن عابر بن شالخ بن أُد بن سام بن نوح عليه السلام، لأن لغة عابر كانت عجمية، إما سريانية، وإما عبرانية، فتعلّم بنو قحطان العربية من العاربة ممن كان في زمنهم، وتعلم بنو إسماعيل العربية من جُرهم من بني قحطان حين نزلوا عليه وعلى أمه بمكة.
وذهب آخرون، منهم المؤيد صاحب حماه، إلى أن بني قحطان هم العاربة، وأن المستعربة هو بنو إسماعيل فقط.
والذي رجحه صاحب "العبر" الأول. محتجاً بأنه لم يكن في بني قحطان من زمن نوح عليه السلام إلى عابر من تكلم بالعربية، وإنما تعلموها نقلاً عمن كان قبلهم من العرب، من عاد وثمود ومعاصريهم، ممن تقدم ذكرهم.
الفصل الثالث
في معرفة طبقات الأنساب وما يلحق بذلك
قد عد أهل اللغة طبقات الأنساب ست طبقات: الطبقة الأولى: الشعب، بفتح العين، وهو النسب الأبعد، كعدنان مثلاً.
قال الجوهري: وهو أبو القبائل الذين ينسبون إليه. ويجمع على شعوب.
قال الماوردي في "الأحكام السلطانية": وسمي شعباً، لأن القبائل تتشعب منه.
وذكر الزمخشري في "كشافه" نحوه.
الطبقة الثانية: القبيلة، وهي ما انقسم فيه الشعب كربيعة ومُضر.
قال الماورديّ: وسميت القبيلة لتقابل الأنساب فيها. وتجمع القبيلة على قبائل وربما سميت القبائل: جماجم أيضاً، كما يقتضيه كلام الجوهري حيث قال: وجماجم العرب هي القبائل التي تجمع البطون.
الطبقة الثالثة: العِمارة، بكسر العين المهملة، وهي ما انقسم فيه أنساب القبيلة، كقريش وكنانة. وتجمع: على عمارات، وعمائر.
الطبقة الرابعة: البطن، وهي ما انقسم فيه أقسام العمارة، كبني عبد مناف، وبني مخزوم. ويجمع: على بطون، وأبطن.
الطبقة الخامسة: الفخذ، وهي ما انقسم فيه أقسام البطن، كبني هاشم، وبني أمية، وتجمع على: أفخاذ.
الطبقة السادسة: الفصيلة، بالصاد المهملة. وهي ما انقسم فيه أقسام الفخذ، كبني العباس.
هكذا رتّبها الماوردي في "الأحكام السلطانية"، ومثّل بما تقدم. وعلى نحو ذلك جرى الزمخشري في تفسيره في الكلام على قوله تعالى: )وجعلناكم شُعوباً وقبائل( إلا أنه مثل للشعب بخزيمة، وللقبيلة بكنانة، وللعمارة بقريش، وللبطن بقُصي، وللفخذ بهاشم، وللفصيلة بالعباس.
وبالجملة فالفخذ يجمع الفصائل، والبطن يجمع الأفخاذ، والعمارة يجمع البطون، والقبيلة تجمع العمائر، والشعب يجمع القبائل.
قال النووي في "تحرير التنبيه": وزاد بعضهم "العشيرة" قبل "الفصيلة".
قال الجوهري: وعشيرة الرجل: رهطه الأدنون.
حكى أبو عبيد عن ابن الكلبي عن أبيه تقديم الشعب، ثم القبيلة، ثم الفصيلة، ثم العمارة، ثم الفخذ. وعليه جرى الجوهري في مادة "فخذ".
واعلم أن أكثر ما يدولا على الألسنة من الطبقات الستة المتقدمة: القبيلة ثم البطن، وقلّ ما تذكر العمارة والفخذ والفصيلة، وربما عُبر عن كل واحد من الطبقات الست بالحي، إما على العموم، مثل أن يقال: حيّ من العرب، وإما على الخصوص، مثل أن يقال: حيّ بني فلان.
الفصل الرابع
في ذكر مساكن العرب القديمة
التي منها درجوا إلى سائر الأقطار اعلم أن مساكن العرب في ابتداء الأمر كانت بجزيرة العرب الواقعة في أواسط المعمور وأعدل أماكنه وأفضل بقاعه، حيث الكعبة الحرام وتربة أشرف الخلق نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وما حول ذلك من الأماكن.
وهذه الجزيرة متسعة الأرجاء ممتدة الأطراف يحيط بها من جهة الغرب بعض بادية الشام حيث البلقاء، إلى أيلة، ثم بحر القلزم الآخذ من أيلة حيث العقبة الموجودة بطريق حجاج مصر إلى الحجاز إلى أطراف اليمن، حيث طيّ وزبيد وما داناهما.
ومن جهة الجنوب بحر الهند المتصل به بحر القُلزم المقدم ذكره، من جهة الجنوب إلى عدن إلى أطراف اليمن حيث بلاد مهرة، من ظفار وما حولها.
ومن جهة الشرق بحر فارس الخارج من بحر الهند إلى جهة الشمال إلى بلاد البحرين، ثم إلى أطراف البصرة، ثم إلى الكوفة من بلاد العراق.
ومن جهة الشمال الفرات آخذاً من الكوفة على حدود العراق إلى عانة، إلى بالس من بلاد الجزيرة الفراتية، إلى البلقاء من برية الشام، حيث وقع الابتداء.
ودور هذه الجزيرة، فيما ذُكر في تقويم البلدان، سبعة أشهر وأحد عشر يوماً تقريباً بسير الأثقال، فمن البلقاء إلى الشراة ثلاثة أيام، ومن الشرا إلى أيلة نحو ثلاثة أيام، ومن أيلة إلى فرضة المدينة النبوية نحو عشرين يوماً، ومنها إلى ساحل الجُحفة إلى جُدة- فرضة مكة المشرفة- ثلاثة أيام، ومن جدة إلى عدن نحو من شهر، ومن عدن إلى سواحل مهرة نحو من شهر، ومن مهرة إلى عمّان من البحرين نحو من شهر، ومن عمان إلى هَجر- قاعدة البحرين- نحو من شهر، ومن هجر إلى عبادان من سواد العراق نحو خمسة عسر يوماً، ومن عبادان إلى البصرة نحو يومين، ومن البصرة إلى الكوفة نحو اثنتي عشر يوماً، ومن الكوفة إلى بالس نحو عشرين يوماً، ومن بالس إلى سَلَميّة نحو سبعة أيام، ومن سَلَمية إلى مشارف غوطة دمشق نحو أربعة أيام، ومن مشارف غوطة دمشق إلى مشارف حوران ثلاثة أيام، ومن مشارف حوران إلى البلقاء نحو ثلاثة أيام.
قال المدائني: وجزيرة العرب هذه تشتمل على خمسة أقسام: تهامة، ونجد، وحجاز، وعروض، ويمن.
فتهامة: هي الناحية الجنوبية من الحجاز.
ونجد: هي الناحية التي بين الحجاز و العراق.
والحجاز: هو ما بين نجد وتهامة، وهو جبل يقبل من اليمن حيث يتصل بالشام، وسمي حجازاً لحجزه بين نجد وتهامة.
والعروض: هي اليمامة إلى البحرين.
ويدخل في هذه الجزيرة قطعة من بلاد الشام، منها: تدمر، وتيماء، وتَبُوك.
واعلم أن اليمن كان هو منازل العرب العاربة من عاد، وثمود، وطَسم، وجديس، وأُميم، وجُرهم، وحضرموت، ومَن في معناهم، ثم انتقلت ثمود منهم إلى الحِجْر من أرض الشام، فكانوا به حتى هلكوا، كما ورد به القرآن الكريم.
وهلكت بقايا العاربة باليمن من عاد وغيرهم، وخلفهم فيه بنو قحطان من عابر، فعرفوا بعرب اليمن إلى الآن، وبقوا فيه إلى أن خرج منهم عمرو مزيقياء عند توقّع سيل العَرم، وكانت أرض الحجاز منازل بني عدنان إلى أن غزاهم بُخْتنصر، ونقل من نقل منهم إلى الأنبار من بلاد العراق. ولم تزل العرب بعد ذلك كله في التنقل عن جزيرة العرب والانتشار في الأقطار إلى أن كان الفتح الإسلامي، فتوغلوا في البلاد حتى وصلوا إلى بلاد الترك وما داناها، ونزلت منهم طائفة بالجزيرة الفراتية وصاروا إلى أقصى المغرب وجزيرة الأندلس وبلاد السودان، وبلغوا الآفاق وعمروا الأقطار، وصار بعض عرب اليمن إلى الحجاز فأقاموا به، وربما صار بعض عرب الحجاز إلى اليمن فأقاموا به، وبقى من بقى منهم بالحجاز واليمن على ذلك إلى الآن، ومن تفرق منهم بالأقطار منتشرون في الآفاق قد ملأوا ما بين الخافقين.
الفصل الخامس
في بيان أمور يحتاج الناظر في علم الأنساب إليها
وهي عشرة أمور: الأول- قال الماوردي: إذا تباعدت الأنساب صارت القبائل شعوباً، والعمائر قبائل، يعني: وتصير البطون عمائر، والأفخاذ بطوناً، والفصائل أفخاذاً، والحادث بعد ذلك فصائل.
الثاني- قد ذكر الجوهري: أن القبيلة هي بنو أب واحد.
وقال ابن حزم: جميع قبائل العرب راجعة إلى أب واحد سوى ثلاث قبائل، وهي تَنوخ، والعُتْق، وغسّان، فإن كل قبيلة منها مجتمعة من عدة بطون.
وسيأتي بيان ذلك في الكلام على كل قبيلة من القبائل الثلاث في موضه، إن شاء الله.
ثم أن القبيلة قد يكون له عدة أولاد فيحدث عن بعضهم قبيلة أو عدة قبائل، فتنسب إليه كل قبيلة تحدث عنه وتُترك النسبة إلى القبيلة الأولى، كحنظلة بن تميم، فينسب إلى "حنظلة" ويترك "تميم" ويبقى بعضهم بلا ولد، بألا يولد له أو لم يشتهر ولده، فينسب إلى القبيلة الأولى.
الثالث- إذا اشتمل النسب على طبقتين فأكثر، كهاشم، وقريش، ومُضر، وعدنان، جاز لمن في الدرجة الأخيرة من النسب أن ينتسب إلى الجميع، فيجوز لبني هاشم أن يُنسبوا إلى هاشم وإلى قريش وإلى مضرو إلى عدنان، فيقال في أحدهم: الهاشميّ، والقرشيّ، والمضريّ، والعدنانيّ.
بل قد قال الجوهري: إن النسبة إلى الأسفل تُغني عن النسبة إلى الأعلى، فإذا قلت في النسبة إلى "كلب بن وبرة" الكلبي، استغنيت أن تنسبه إلى شيء من أصوله.
وذكر غيره أنه يجوز الجمع في النسب بين الطبقة العليا والطبقة السفلى.
ثم بعضهم يرى تقديم العليا على السفلى، مثل أن يقال في النسب إلى عثمان ابن عفان رضي الله عنه: الأموي العثماني، وبعضهم يرى تقديم السفلى على العليا، فيقال: العثماني الأموي.
الرابع- قد ينضم الرجل إلى غير قبيلته بالحلف والموالاة، فينسب إليهم، فيقال: فلان حليف بني فلان، أو مولاهم؛ كما يقال في البخاري: الجُعفي مولاهم، ونحو ذلك.
الخامس- إذا كان الرجل من قبيلة ثم دخل قبيلة أخرى جاز أن ينسب إلى قبيلته الأولى، وأن ينسب إلى قبيلته التي دخل فيها، وأن ينسب إلى القبيلتين جميعاً، مثل أن يقال: التميمي ثم الوائلي، أو الوائلي ثم التميمي، وما أشبه ذلك.
السادس- القبائل في الغالب تسمى باسم الأب والد القبيلة، كربيعة ومضر والأوس والخزرج، ونحو ذلك، وقد تسمى القبيلة باسم أمها الوالدة لها، كخندف وبِجَيلة ونحوهما، وقد تسمى باسم حاضنة ونحوها، وربما وقع اللقب على القبيلة بحدوث سبب، كغسان، حيث نزلوا من ماء يسمى غسان، فسموا به، كما سيأتي إن شاء الله.
السابع- غالب أسماء العرب منقولة عما يدور في خزانة خيالهم مما يخالطونه ويجاورونه، إما من الوحوش، كأسد ونمر، وإما من النبات، كنَبت وحنظلة، وإما من الحشرات، كحيّة وحنش، وإما من أجزاء الأرض، كفِهر وصَخر، ونحو ذلك.
الثامن- الغالب على العرب تسمية أبنائهم بمكروه الأسماء، ككلب وحنظلة وضِرار وحرب، وما أشبه ذلك، وتسمية عبيدهم بمحبوب الأسماء، كفلاح ونجاح، ونحو ذلك.
والمعنى فيه ما حُكي: أنه قيل لأبي الدُّقيش الكلابي: لِمَ تسمون أبناءكم بشرّ الأسماء، نحو كلب وذئب، وعبيدكم بأحسن الأسماء، نحو مرزوق ورَباح، فقال: إنما نسمي أبناءنا لأعدائنا، وعبيدنا لأنفسنا. يريد أن الأبناء مُعدَّة للأعداء في المحاربة ونحوها فاختاروا لهم شر الأسماء، والعبيد معدّة لأنفسهم فاختاروا لهم خير الأسماء.
التاسع- إذا كان في القبيلة اسمان متوافقان كالحارث والحارث، والخزرج والخزرج، ونحو ذلك، وأحدهما من ولد الآخر، أو بعده في الوجود، عُبِّر عن الوالد أو السابق منهما بالأكبر، وعن الولد أو المتأخر منهما بالأصغر، وربما وقع ذلك في الأخوين، إذا كان أحدهما أكبر من الآخر.
العاشر- أسماء القبائل في اصطلاح العرب على خمسة أضرب: أولها- أن يطلق على القبيلة لفظ الأب، كعاد وثمود ومَدين، وما شاكل ذلك، وبذلك ورد القرآن الكريم في عدة مواضع، كقوله تعالى: )وإلى عاد( )وإلى ثمود( )وإلى مَدْين(، يريد: بني عاد، وبني ثمود، وبني مدين، وأكثر ما يكون ذلك في الشعوب والقبائل العظام لا سيما في الأزمان المتقدمة، بخلاف البطون والأفخاذ ونحوها.
وثانيها- أن يطلق على القبيلة لفظ البُنوة، فيقال: بنو فلان، وأكثر ما يكون ذلك في البطون والأفخاذ والقبائل الصغار، لا سيما في الأزمان المتأخرة.
وثالثها- أن تَرد القبيلة بلفظ الجمع مع الألف واللام، كالطالبيين، والجعافرة، ونحوهما، وأكثر ما يكون ذلك في المتأخرين دون غيرهم.
ورابعها- أن يعبر عن القبيلة ب "آل فلان" كآل ربيعة، وآل فضل، وآل علي، وما أشبه ذلك، وأكثر ما يكون ذلك في الأزمنة المتأخرة، لا سيما في عرب الشام في زماننا، والمراد بالآل: الأهل.
وخامسها- أن يُعبر عن القبيلة بأولاد فلان، ولا يوجد ذلك إلا في المتأخرين من أفخاذ العرب على قلة.
المقصد في معرفة تفاصيل أنساب العرب
وفيه فصلان
الفصل الأول
في ذكر عمود النسب النبوي
وما يتفرع عنه من الأنساب
أما عمود نسبه- صلى الله عليه وسلم- فعلى ما ذكره ابن إسحاق-: هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب- واسمه شيبة. وقيل: عامر- بن هاشم- واسمه: عمرو بن عبد مناف- واسمه: المغيرة- بن قصي- واسمه: زيد، ويدعى مجمعاً- بن كلاب ابن مُرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن غالب بن فهر بم مالك بن النضر- واسمه عامر- ابن كنانة بن خُزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أدد بن مقُوم بن ناحور بن تيرح بن يَعرُب بن يَشْجُب بن نابت بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل- عليه السلام- بن تارح بن ناحور بن شاروغ بن راعو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح- عليه السلام- بن لَمْك بن مَتُّوشلخ بن أخنوخ- وهو إدريس- بن يَرْد بن مَهْليل بن قينن بن أنوش بن شيت ابن آدم عليه السلام.
والاتفاق على هذا النسب الشريف إلى عدنان. وفيما بعد عدنان إلى الخليل عليه السلام خلاف كثير يأتي ذكره في الكلام على نسب عدنان، عند ذكر العرب المستعربة إن شاء الله. بل قد منع بعضهم رفع النسب فيما فوق عدنان، وعلى ذلك جرى النووي في كتبه.
قال القضاعي في كتابه "عيون المعارف في أخبار الخلائف": وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُجاوزوا معد بن عدنان، كذب النسابون" ثم قرأ )وقُروناً بين ذلك كثيراً( ولو شاء أن يعلمه علَّمه.
وذكر التَّوزري في شرح الشقراطيسية أنه صلى الله عليه وسلم كرر: "كذب النسابون" مرتين أو ثلاثاً، ثم قال: والصحيح أنه من قول ابن مسعود وعليّ.
وعن مالك ابن أنس: أنه سئل عن الرجل يُرفع نسبه إلى آدم. فكره ذلك، فقيل له: إلى إسماعيل? فأنكر ذلك وقال: من يخبر به.
والذي عليه البخاري وغيره من العلماء موافقة ابن إسحاق على رفع النسب، كما تقدم.
وأما ما يتفرع من عمود نسبه- صلى الله عليه وسلم- من الأنساب فلا خفاء أن آدم عليه السلام هو أبو البشر، ومبدأ النسل. وما يذهب إليه الفرس من أن مبدأ النسل من كيومرت، الذي ينسب إليه الفرس، فإنه مفسر بآدم عليه السلام عند أكثر المؤرخين. ثم لا نزاع في أن الأرض عمرت ببني آدم عليه السلام إلى زمن نوح عليه السلام. وأنهم هلكوا بالطوفان الحاصل بدعوة نوح، حين غلب فيهم الكفر وظهرت عبادة الأوثان، وأن الطوفان عمَّ جميع الأرض. ولا عبرة بما يذهب إليه الفرس من إنكار الطوفان، ولا بما ذهب إليه بعضهم من تخصيصه بإقليم بابل، الذي به نوح عليه السلام.
ثم وقع الاتفاق بين النسّابين والمؤرخين أن جميع الأمم الموجودة بعد نوح عليه السلام جميعهم من بنيه، دون من كان معه في السفينة، وعليه يحمل قوله تعالى: )ذُرية من حملنا مع نوح(.
أما من عدا بنيه ممن كان معه في السفينة، فقد روي أنهم كانوا ثمانين رجلاً، وأنهم هلكوا من غير عقب. ثم اتفقوا على أن جميع النسل من بنيه الثلاثة: يافث- وهو أكبرهم- وسام- وهو أوسطهم- وحام- وهو أصغرهم.
وقد ذكر ابن إسحاق أنه كان ليافث ستة أولاد، وهم: كومر-ويقال: غومر وياوان- ويقال: يافان، وهو يونان- وماغوغ، وقطوبال، وماشخ، وطيراش. ووقع في الإسرائيليات زيادة "ماذاي" فصاروا به سبعة.
وذكر البيهقي ثامناً، وهو: علجان.
ووقع في كلام ابن سعيد زيادة "سويل" فيكونون تسعة.
قال ابن إسحاق: وكان لسام خمسة أولاد، وهم: أرفخشذ، ولاوذ، وآرم، وأشوذ، وغُليم.
وفي الإسرائيليات أنه كان لحام أربعة أولاد: وهم: مصر- وبعضهم يقول مصرايم- وكنعان، وكوش، وقوط.
والذي ذكره الأستاذ إبراهيم بن وصيف شاه في كتاب "العجائب"، أن مصر بن بيصر بن حام بن نوح، فيكون حينئذ مصر ابن ابن حام، لا ابنه لصلبه.
إذا علمت ذلك فكل أمة من الأمم ترجع إلى واحد من أبناء نوح الثلاثة على كثرة الخلاف في ذلك.
فالترك من بني ترك بن كومر بن يافث، وقيل: من بني طيراش بن يافث. ونسبهم ابن سعد إلى: ترك بن عامور بن سويل بن سويد بن يافث. ويدخل في جنس الترك القفجاق، وهم الخفشاج، والطغر، وهم التتر. ويقال التتار: بزيادة ألف. ويقال فيهم: الططر، بالطاء. ويدخل فيهم أيضاً الخرلخية، والخزر، وهم الغز الذين كان منهم ملوك السلاجقة، والهياطلة، وهم الصغد، والغور والعلان، ويقال: اللان، والشركس، والأزكش، والروس، فكلهم من جنس الترك نسبهم داخل في نسبهم.
والجرامقة: وهم أهل الموصل القديم، من ولد جرموق بن أشوذ بن سام بن نوح. فيما قاله ابن سعيد، ومن ولد كاثر بن إرم بن سام، فيما قاله غيره.
والجيل: وهم أولاد كيلان من بلاد الشرق، من ولد باسل بن أشوذ بن سام، قاله ابن سعيد.
والخزر، وهم التركمان، من ولد توغرما بن كومر بن يافث، فيما وقع في الإسرائيليات، وقيل من ولد طيراش بن يافث، وقيل: نوع من الترك.
والديلم: وهم الذين كانوا منهم بنو بويه ملوك العراق وغيره من الشرق، من بني مازاي بن يافث. وقال ابن سعيد: من بني باسل بن أشوذ بن سام. وقيل: هم من بني باسل بن طابخة بن إلياس بن مضر. وضعفه أبو عبيد.
والروم، قيل: هم من بني كيتم بن يونان، وهو يافان بن يافث. وقيل: من ولد رومي بن يونان بن علجان بن يافث. وقيل: من ولد رعويل بن عيصو بن إسحاق ابن إبراهيم عليه السلام.
وقال الجوهري في "صحاحه": من ولد روم بن عيصو بن إسحاق.
والسُّرْيان: من بني سُوريان بن نُبيط بن ماش بن إرم بن سام. قاله ابن الكلبي.
والسند، في الإسرائيليات: أنهم من بني شاو بن رعما بن كوش بن حام.
وحكى الطبري عن ابن إسحاق: أنهم من بني كوش بن حام. وهو قريب من الأول.
والسودان. قال ابن سعيد: جميع أجناسهم من ولد حام.
ونقل الطبري عن ابن إسحاق: أن الحبشة من ولد كوش بن حام؛ والنوبة من ولد كنعان بن حام، وأن الزنج من ولد كنعان أيضاً، وكذلك زغاوة.
وذكر ابن سعيد أن الحبشة من بني حبش، والنوبة من بني نوبة، أو بني نوبى، والزنج من بني زنج، ولم يرفع في نسبهم، فيحتمل أن يكونوا من أعقاب بني حام.
والصقالبة، عند الإسرائيلين: من بني ياوان بن يافث، وقيل: من بني أشتكاز بن يوغرما بن كومر بن يافث.
والصين، قيل: من بني صيني بن ماغوغ بن يافث. وقيل: من بني قطوبال بن يافث. وذكر هُروشْيس مؤرخ الروم أنهم من بني ماغوغ بن يافث.
والعبرانيون، من ولد عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام. قاله الطبري.
والفرس، قال ابن إسحاق: من ولد فارس بن لاوذ بن سام.
وقال ابن الكلبي: من ولد طيراش بن أشوذ بن سام. وقيل: من ولد طيراش ابن حوران بن يافث. وقيل: من بني أميم بن لاوذ بن سام.
قال في العبر: وليس بصحيح.
ووقع للطبري أنهم من ولد رعويل بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام.
قال في العبر: ولا التفات إلى هذا القول، لأن ملك الفرس أقدم من ذلك.
والفرنج، قيل: من ولد قطوبال بن يافث. وقيل: من ولد ريفاث بن كومر ابن يافث، وقيل من ولد توغرما بمن كومر بن يافث.
والقبط، قال الأستاذ بن وصيف شاه: هم من بني قبطيم بن مصر ابن حام.
وعند الإسرائيليين أنهم من ولد قوط بن حام. وقال أهرشيوش: من ولد قبط بن لاب بم مصرايم بن حام.
والقُوط: - بضم القاف- وهم أهل الأندلس قبل الإسلام: من ولد ماغوغ بن يافث، فيما قاله هْرُوشْيُسْ. وقيل: من ولد قُوط بن حام.
والكرد، بضم الكاف: من بني إيران بن أشوذ بن سام، وإلى إيران هذا تنسب مملكة إيران، التي كان بها ملوك الفرس. قال المُقر الشهابي بن فضل الله في كتابه "التعريف": يقال: في المسلمين الكرد، وفي الكفار الكرج، وحينئذ فيكون الكرد والكرج نسباً واحداً.
والكنعانيون، الذين كانوا منهم جبابرة الشام، من ولد كنعان بن حام.
والَّلمان- بفتح اللام- من ولد قطوبال بن يافث. وقال المؤيد صاحب حماة: ومواطنهم بالغرب إلى الشمال في شمال البحر الرومي.
والنبط- بفتح الباء- وهم أهل بابل في الزمن القديم. قال ابن الكلبي: هم بنو نبيط بن ماش بن إرم بن سام. وقال ابن سعيد: هم من بني نبيط بن أشوذ بن سام.
والهند: في الإسرائيليات، أنهم من ولد دادان بن رعما بن كوش بن حام. ونقل الطبري عن ابن إسحاق: أنهم من بني كوش بن حام، من غير واسطة.
والأرمن، وهم أهل أرمينية الذين بقاياهم ببلاد سيس إلى الآن، قيل: من ولد قهويل بن ناحور بن تارح. وهو آزر- بن ناحور، أخو إبراهيم عليه السلام.
والأشبان، عند بعض النسابين: من ولد ماشخ بن يافث. وعند الإسرائيليين: من ولد ياوان، وهو يونان بن يافث. وعند آخرين: أنهم من شعوب بني عيصو ابن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام. وقال الطبري: أشك أنهم من ولد رعويل ابن عيصو بن إسحاق، وهو قريب من الأول.
واليونان، قيل: هم من ولد يونان، وهو ياوان بن يافث. وقال البيهقي: من بني يونان بن علجان بن يافث، وشذ الكندي فقال: يونان بن عابر، وذكر أنه خرج من بلاد العرب مغاضباً لأخيه قحطان، فنزل شرقي الخليج القسطنطيني، فتناسل بنوه هناك. ورد عليه أبو العباس الناشئ بقوله:
تُخلِّط يوناناً بقَحْطـان ضِـلَّةً لعمري لقد باعدتَ بينهما جدّاً
واليونانيون على ثلاثة أصناف: الَّلطينيون، وهم بنو الَّلطين بن يونان؛ والإغريقيون، وهم بنو إغريقن بن يونان، والكيتم، وهم بنو كيتم ابن يونان، وإلى هذه الفرقة منهم يرجع نسب الروم فيما قبل.
وزُويلة- وهم أهل برقة في الزمن القديم، ويقال: إنهم من بني حويلا بن كوش بن حام، ومنهم الطائفة الذين وصلوا صُحبة المُعزِّي باني القاهرة، المنسوب إليهم باب زُويلة، وحارة زويلة بالقاهرة.
ويأجوج ومأجوج- قيل: هم من ولد ياغوغ بن يافث. وقيل: من ولد كومر ابن يافث.
والبربر- فيهم خلاف يرجع إلى أنهم، هل هم من العرب أو من غيرهم? وقد اختلف في نسبهم اختلافاً كثيراً، فذهبت طائفة من النسابين إلى أنهم من العرب ثم اختُلف في ذلك، فقيل: أوزاع من اليمن، وقيل: من غسان وغيرهم تفرقوا عند سيل العَرم، قاله المسعودي.
وقيل: خلَّفهم أبرهة ذو المنار، أحد تبايعة اليمن حين غزا العرب.
وقيل: من ولد لقمان بن حِمْير بن سبأ، بعث سريّة من بنيه إلى المغرب ليعمروه فنزلوا وتناسلوا فيه. وقيل: من لخم وجُذام كانوا نازلين بفلسطين من الشام إلى أن أخرجهم منها بعض ملوك فارس فلجأوا إلى مصر، فمنعهم ملوكها من نزولها، فذهبوا إلى الغرب فنزلوه.
وذهب قوم إلى أنهم من ولد يقشان بن إبراهيم عليه السلام.
وذكر الحمداني أنهم من ولد بر بن قيذار بن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وأنه كان قد ارتكب معصية فطرده أبوه، وقال له: البر، البرّ، اذهب يا بَر، فما أنت بَر.
وقيل: هم من ولد بربر بن كسلوحيم بن حام.
وقيل: من ولد تميلة بن مأرب بن قاران بن عمرو بن عمليق بن لاوذ ابن إرم بن سام بن نوح.
وقيل: من ولد قبط بن حام بن نوح.
وقيل: أخلاط من كنعان والعماليق.
وقيل: من حمير ومصر، والقبط.
وقيل: من ولد جالوت، ملك بني إسرائيل، وأنه لما قَتَلَ داود عليه السلام جالوت تفرقوا في البلاد، فلما غزا إفريقش الغرب نقلهم من سواحل الشام، وأسكنهم المغرب وسماهم البربر.
وقيل: بل أخرجهم داود عليه السلام من الشام فصاروا إلى المغرب.
وهم قبائل كثيرة، وشعوب جمة، وطوائف متفرقة، وأكثرهم ببلاد المغرب، وقد صار بعضهم من المغرب إلى مصر، فنزلوا وتلبسوا بالعرب بعضهم بالوجه البحري ببلاد البحيرة والمنوفية والغربية، وبعضهم بالوجه القبلي بالجيزة وبلاد البهنسا إلى أقصى الصعيد.
قال صاحب العبر: وهي على كثرتها ترجع إلى أصلين لا تخرج عنهما، وهم: الأول: البرانس، وهم بنو برنس من بربر. والثاني: البتر، وهم بنو مادغش الأبتر بن بربر.
قال: وبعضهم يقول: إنهم يرجعون إلى سبعة أصول، وهم: إردواحة، ومصمودة، وأَوْرَبَّة، وعجبة، وكُتامه، وصنهاجة، وأوريغة.
ثم قال: وزاد بعضهم: لمطة، وهكسوره، وكزولة.
وسيأتي ذكر المشهور من قبائلهم مع ذكر قبائل العرب لتلبّسهم بهم، في موضعه إن شاء الله تعالى.
أما العرب فإنهم على اختلاف قبائلهم وتباين شعوبهم من ولد سام باتفاق النسّابين: بعضهم يرجع إلى لاوذ بن سام، وبعضهم إلى إرم بن سام، وبعضهم يرجع إلى قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام، وبعضهم يرجع إلى إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام، وبعضهم يرجع إلى مَدْين بن إبراهيم عليه السلام. وقد تقدم في عمود النسب أن إبراهيم من ولد عابر بن شالخ بن أرفخشذ ابن سام.
بسمة- عضو دهبي
- عدد المساهمات : 3099
نقاط : 35050
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 12/07/2010
العمر : 32
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى